لو لم تكن فيه آياتٌ مبينةٌ * كانت بداهتُه تنبيك بالخبرِ

ملامح ذكائه عليه الصلاة والسلام أغنى من أن تذكر صريحة بلفظها، فتدبيره
للأمور واتخاذه الخطط في الحروب وتفادي الأخطاء والمزالق دلالة على حنكته
وذكائه عليه الصلاة والسلام،

فلا يقدم على أمر
إلا وقد تدبر عواقبه، وأحاط بما يجب من أسباب ونتائج ومعوقات ولوازم
واحتياطات، فما التخطيط والتنظيم والتنفيذ في دقتها وجودة إدارتها إلا
بديهة من بدائهه، فجملة دعوته وعهده المكي والمدني،

وتعامله مع
الموافق والمخالف دالٌّ على كمال فطنته وذكائه، فالدعوة السرية أولاً، ثم
الصدع بها بعد أمر الله له، والتعرض للقبائل، والصبر على البلاء في أول
الأمر، -وإن كان هذا أمر الله له- غير أن تطبيق الشريعة بهذه الأوامر وضبط
النفس عن الاستفزاز والاستثارة أمر يفتقر إلى دهاء العقول، وذكاء النفوس.

ولما جاء الأمر بالجهاد لم يكن يغزو غزوة حتى يورِّي بغيرها، وأثناء الغزو
يرتب جنده ويعيِّن أماكنهم بدقة متناهية، كما فعل في غزوة أحد وجعلِه
الرماةَ على أعلى الجبل؛ حمايةً لظهور المسلمين، والواقع شهد بدقة ذلك حيث
لما نزلوا أُتي المسلمون من قبل تلك المخالفة.

إن من أهم صفات
القائد الذكاءَ المنغمسَ في مياهِ الحكمةِ، والمُشرَبَ بألوان الحنكة
والدهاء لا غش فيه ولا خداع، فيكون طويل التأمل عميق التفكير دقيق التقدير
سريع البداهة، شديد النباهة، وبهذا كان رسول الهدى عليه الصلاة والسلام،

فيوم بدر حين أُتي بالعبد الأسود ليستخرجوا معلومات العدو منه،
(فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ: أَيْنَ أَبُو سُفْيَانَ؟ فَيَقُولُ: وَاللَّهِ
مَالِي بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ عِلْمٌ، وَلَكِنْ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ
جَاءَتْ فِيهِمْ أَبُو جَهْلٍ وَعُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ
وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، فَإِذَا قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ ضَرَبُوهُ،
فَيَقُولُ: دَعُونِي دَعُونِي أُخْبِرْكُمْ، فَإِذَا تَرَكُوهُ قال كما قال
قبل، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:

( ( وَالَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَتَضْرِبُونَهُ إِذَا صَدَقَكُمْ
وَتَدَعُونَهُ إِذَا كَذَبَكُمْ، هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ
لِتَمْنَعَ أَبَا سُفْيَانَ ) ) (رواه أبو داود وصححه الألباني)،

ثم يسأل سؤالا واحدا ينم عن ذكائه صلى الله عليه وسلم: كم ينحرون؟ ليعرف عددهم وعدتهم، وعتادهم.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]12