استحضرت العشرات من الصفحات التونسية في الموقع الاجتماعي يوم أمس الذكرى الثانية لاستشهاد الأستاذ الجامعي الشاب حاتم بن طاهر برصاصة قناص في دوز لم تصل إليه يد العدالة بعد.

لحسن الحظ، لم يكن الشهيد حاتم بن طاهر معروفا بأي انتماء سياسي، وإلا لكان خصوم السياسة في تونس تقاتلوا بسببه في ذكرى استشهاده، وهكذا وجدنا له في صفحات أنصار اليسار كما في صفحات أنصار النهضة صورا جميلة تمجد استشهاده في مثل يوم أمس 12 جانفي 2011 في مدينة دوز إبان الثورة التونسية برصاصة في الرأس. وكتبت ناشطة شابة من النهضة: «لو كان الشهيد حاتم بن طاهر إسلاميا، لما كتب عنه أحد، لأن جماعة اليسار الإقصائي يقصون الإسلاميين حتى من شرف الشهادة»، وفي المقابل، قرأنا في صفحة يسارية كلاما مماثلا جاء فيه: «لو كان حاتم بن طاهر يساريا، لشيطنه جماعة النهضة واتهموه بأنه من أزلام النظام وبقايا التجمع». وهكذا، حظي هذا الشهيد الذي يعد حقيقة رمزا من الرموز النبيلة للثورة التونسية بتكريم جيد في أغلب الصفحات التونسية، ليس فقط باستشهاده، بل كذلك بشخصيته الفذة: فهو شاب في الثامنة والثلاثين من العمر، متزوج وأب وكفاءة أكاديمية نادرة بما أنه الوحيد الحاصل على شهادة أستاذ محاضر في شبكات الإعلامية وقتها في تونس. كما كتب ناشطون من عدة اتجاهات سياسية وحقوقيون مقالات تذكر بأن قاتله ما زال طليقا، حتى أن ناشطة حقوقية من قابس نشرت صورة الشهيد وهو ممدد وسط دمه الطاهر مع تعليق جاء فيه: «هذه رسالة إلى قاتل الشهيد حاتم: إن كانت فيك قطرة حياء، إن كانت فيك بقية شهامة ورجولة، سلم نفسك واطلب الصفح من الله ومن ابن الشهيد وأسرته». وفي هذا المستوى، قرأنا عدة تعاليق تتهم القضاء والأمن وحكومة النهضة بالتراخي في تتبع القتلة والقناصة، وبتهم أكثر خطرا من ذلك نترفع عن ذكرها هنا. غير أن ذكرى هذا الشهيد حركت في الموقع الاجتماعي مسألة قتلة الشهداء وإفلات أغلبهم من المساءلة، وهنا، ينقسم التونسيون في عراك العادة بين النهضة وأنصارها من جهة، واليسار والمعارضة من جهة أخرى. ولئن يرى أنصار المعارضة أن حكومة النهضة هي المسؤولة عن تراخي الأمن والمحققين والقضاة في تتبع القناصة وقتلة الشهداء، فإن أنصار النهضة يذكرون الخصوم بمقولة رئيس الوزراء الباجي قايد السبسي الشهيرة: «إلي يشد قناص، يجيبه لنا»، ليتهموا حكومته بطمس معالم الحقيقة حول القناصة.

وعموما، تبقى صورة هذا الشهيد أنموذجا للنقاء والاستشهاد في أنبل معانيه، خصوصا بالنظر إلى تنازله عن امتيازات كبيرة منحت له في الجامعات الفرنسية من أجل العودة إلى الوطن والتفرغ لتأطير أبناء وطنه والمساهمة في تكوين أجيال مهندسي شبكات الإعلامية، لكن القدر كان يترصده برصاصة غادرة في الرأس على تراب أجداده في توزر.

أما أكثر الناس احتفاء بذكرى الشهيد حاتم بن طاهر، فهم زملاؤه الجامعيون في عدة مؤسسات أكاديمية في تونس وفرنسا، وكتب ناشط جامعي من جامعة منوبة منوها بأن جمعية قدماء المدرسة الوطنية العليا للإعلامية وعددا كبيرا من أساتذة مؤسسات جامعية يحتفون بذكرى الشهيد حاتم بالطاهر. ونشر هؤلاء عدة روابط مهمة لصفحات في الموقع الاجتماعي خاصة بالجامعيين تنشر صور الشهيد وخصوصا صورة جماعية لزملائه وأصدقائه في الجامعات الفرنسية يحملون صوره مع العلمين التونسي والفرنسي. وتم نشر وتداول نص مؤثر عن الأيام التي سبقت استشهاده جاء فيها: «عندما اختارت أغلب كفاءات البلاد الهجرة، كان المرحوم من القلائل الذين فضلوا العمل في الجامعة التونسية، خصوصا وقد كان التونسي الوحيد الحاصل على رتبة أستاذ محاضر في اختصاص هندسة شبكات الإعلامية رغم أنه لم يتجاوز سن 38 عاما، وكان قد بدأ مع عدد من زملائه في إنشاء وحدة بحث في جامعة الهندسة بقابس لتأطير كفاءات البحث الجامعي في الجنوب، لكن الرصاصة الغادرة لم تترك لطموحاته فرصة».[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]