السفير المصري في حديث لـ"الصباح":
وجدت في تونس شعبا جديدا لديه إرادة قوية من أجل التغيير وبناء بلده


مشاريع تونسية-مصرية مشتركة خاصة في مجال الصيد البحري - الربيع العربي او الثورات العربية.. مصطلحان ظهرا في السنتين الاخيرتين وهما يشيران بالخصوص الى كل من تونس ومصر ... بلدان انطلقت منهما الثورة واطاحا بالدكتاتورية لينطلقا من جديد في مرحلة البناء والتشييد وتكريس الديمقراطية والحريات..

بين تونس ومصر كذلك تاريخ مشترك وعلاقات مميزة وتعاون وتبادل ثقافي وكذلك تنافس رياضي نزيه.

حول جملة هذه الملفات وأيضا اللقاء الرياضي المنتظر غدا بين فريقي الترجي والأهلي كان لـ"الصباح" هذا اللقاء مع سعادة سفير مصر بتونس أيمن مشرفه.

*عاشت مصر ثورتها ثم تقلبات هذه الثورة وما بعدها.. وانطلقت البلاد في اصلاح ما أفسدته سنوات من حكم مبارك. فكيف تقيمون اليوم الوضع السياسي والإقتصادي الراهن في مصر؟

- أعتبر أن الوضع السياسي والإقتصادي في مصر بعد الثورة عادي ومتوقع وذلك بالنظر لما كانت تعيشه طيلة ثلاثين عاما من قمع للحريات واضطهاد سياسي مارسته الديكتاتورية على خصومها، وجاءت الثورة لتوجد مناخا من الحرية تسعى جميع الأطراف إلى إستغلاله وتوظيفه للتعبير عن آرائها وأفكارها، وهو أمر مشروع ومنطقي، ويبقى التحدي الأكبر بالنسبة للمصريين في الفترة الراهنة هو صياغة دستور يضمن الحقوق ويكفل الحريات ويوحد المصريين ولا يفرقهم.

مصر ما بعد الثورة مفتوحة لجميع أبنائها الذين لهم الحق في ممارسة نشاطات سياسية وإجتماعية وثقافية، في إطار القانون الذي يضمن للجميع حقوقهم ويحافظ على حرياتهم على إختلاف أديانهم وتوجهاتهم الفكرية والسياسية.

وينطبق نفس الشيء على الوضع الإقتصادي، حيث تضررت الطبقات المتوسطة والفقيرة من النمط الإقتصادي الفئوي الذي كرسه النظام السابق، والذي استفادت منه رؤوس الأموال المقربة من السلطة على حساب الطبقات الأخرى التي تم سحقها.

* هل يمكن في هذا السياق أن نقول أن هناك تقدما في إصلاح ما أفسدته الديكتاتورية؟

- نعم، هناك مؤشرات إقتصادية إيجابية للغاية وتحسن على هذا الصعيد وفي هذا السياق نذكر أن 8 ملايين سائح توافدوا على مصر خلال هذه السنة وهو مؤشر مطمئن في ظل الظروف الإقتصادية العالمية، ونجاح أمني لمصر رغم الإضطرابات والإضربات التي تشهدها من حين إلى آخر، لكن لا يمكن أن تقع معالجة جميع المشاكل العالقة دفعة واحدة لأن التركة ثقيلة جدا، وهو ما يتطلب بعض الوقت من أجل إرساء منظومة سياسية وإقتصادية جديدة قوامها الحفاظ على كرامة المواطن المصري.

* الحديث عن مصر هو تقريبا نفسه الحديث عن تونس فالثورة انطلقت من هنا وانتقلت الى هناك ونفس ما حصل لدينا حصل عندكم تقر يبا. فكيف وجدت الوضع في تونس ما بعد الثورة ؟

- كنت قد زرت تونس سنة 2010، ورغم ما عاناه هذا الشعب من ويلات الديكتاتورية، فقد لاحظت تغيرا كبيرا خاصة على مستوى المواطن التونسي في حد ذاته، فقد وجدت شعبا جديدا، فخورا بنفسه، شعبا لديه إرادة قوية وعزم متواصل من أجل التغيير وبناء بلده على النمط الذي يتماشى مع طبيعته المنفتحة على العديد من الواجهات، فتونس لها بعد عربي إسلامي، وبعد إفريقي متوسطي وهي عوامل ملائمة لتطوير الحياة الإقتصادية والسياسية في تونس ما بعد الثورة.

وعموما أعتقد أن الوضع في تونس ومصر متشابه كثيرا، حيث يواجه الشعبان نفس التحديات، وأعتقد أن المستقبل سيكون أفضل لشعبينا.

* باعتبار ان الواقع واحد تقريبا وان ما يهم هذا البلد يهم البلد الآخر، هل غيرت الثورتان من علاقة البلدين نحو الافضل وهل هناك تقارب وعلاقات شراكة بينهما؟

- مما لا شك فيه أن العلاقات التونسية المصرية هي علاقات متميزة بطبيعتها، علاقات ضاربة في التاريخ، وليست وليدة اليوم، ورغم سعي بعض الأطراف خلال حكم الديكتاتوريتين إلى ضرب هذه العلاقات عبر تسييس الرياضة وخاصة عن طريق مباريات كرة القدم، إلا أن وعي الشعبين المصري والتونسي حال دون ذلك، وبعد الثورة بادرت قيادة البلدين بالإسراع في إرساء علاقات جديدة مبنية على التشاور والشراكة، وفي هذا الإطار تشكلت في مارس 2012 اللجنة العليا المصرية التونسية الليبية وهي لجنة تعنى بتطوير العلاقات الإقتصادية والتجارية بين هذه البلدان الثلاثة، من أجل مجابهة التحالفات العالمية الراهنة، وقد طرحت فكرة إنشاء شركة صيد ثلاثية، خاصة بعد المشاكل التي تسبب فيها بعض الصيادين بتجاوزهم للحدود البحرية والصيد دون رخصة.

كما أن هناك مشروعا قيد الدراسة ويتمثل في إرساء شركات مقاولات ثلاثية لإعادة الإعمار في ليبيا وذلك في ظل تهافت الشركات العالمية للظفر بهذه السوق، وستتم مناقشة هذه الأفكار خلال الإجتماع القادم لهذه اللجنة في النصف الأول من 2013.

أما على الصعيد السياسي، فإن هناك تقاربا في وجهات النظر، خاصة وأن بلدينا يمران تقريبا بنفس الظروف السياسية، والهدف واحد ومشترك وهو إرساء ديمقراطية جديدة مبينة على إحترام حقوق الإنسان والتداول السلمي على السلطة، وهو ما أكدته قيادة البلدين خلال العديد من المناسبات.

* على هامش معرض تونس الدولي للكتاب الذي شهد مشاركة مكثفة لدور النشر المصرية، كيف تقيمون دور الثقافة في تونس ومصر بعد الثورة؟

- لنتفق بداية على أن مصر وتونس لديهما موروثات ثقافية مشتركة تنبع من تاريخ حافل وتمتد إلى حد يوم الناس هذا في جميع المجالات الثقافية في المسرح والسينما، والموسيقى، ومعرض تونس الدولي للكتاب ليس إلا لبنة من لبنات البناء الثقافي والتلاقح بين الثقافات، وشخصيا أعتبر هذه المناسبة همزة وصل أساسية في الحياة الثقافية العربية.

وفي خضم ما يشهده العالم العربي من محاولات غزو ثقافي، كان لابد من توحيد الصف لصد هذه الهجمة التي تسعى إلى تجريدنا من سلاحنا الناعم وهو الثقافة، وهي هجمة كانت قد بدأت منذ حقبة الإستعمار العسكري لبلداننا والذي رافقته محاولات طمس هويتنا العربية، وتمسكنا بموروثنا الثقافي هو الكافل الوحيد للحفاظ على هويتنا التي تمثل درعنا الأقوى في مواجهة المخاطر المحدقة.

* الحدث الأبرز خلال هذه الأيام هو بالتأكيد رياضي ويتمثل في مباراة النهائي لكأس رابطة الأبطال الإفريقية والذي سيدور غدا ويجمع الترجي التونسي والأهلي المصري، كيف تنظرون إلى هذا الحدث الرياضي الهام؟

- هو من دون شك حدث هام وبارز ومميز في تاريخ البلدين، وما نفتخر به كمصريين وتونسيين هو وجود فريقن عربيين في هذا النهائي القاري وهو إنجاز في حد ذاته، وشخصيا أعتبر أن الفريقين انتصرا وحققا فوزا مهما بوصولهما إلى هذه المرتبة، وأيا كان الفائز فقد تحقق المطلوب ويبقى التحدي الأكبر هو إنجاح هذا العرس تنظيميا وجماهيريا، وقد لاقت بعثة الأهلي ترحابا كبيرا في تونس يوازي ما قوبلت به البعثة التونسية خلال المباراة الذهاب، وفي إعتقادي يبقى ذلك العنصر الأهم، من أجل تدعيم علاقات بلدينا وتطويرها على جميع المستويات.

وكما سبق وأن قلت، فقد حاولت أطراف خلال الحكم الديكتاتوري إلى خلق أجواء توتر قبل كل حدث رياضي يجمع البلدين، وذلك بإعطائها طابعا سياسيا لهذه التظاهرات، لكن الآن تغيرت المعطيات والظروف ولم يعد مسموحا بمثل هذه الممارسات الرخيصة، وفي هذا السياق نتذكر ما حدث في مباراة مصر والجزائر وما رافقها من مشاحنات وتشنجات كادت أن تعصف بعلاقة البلدين.

وايا كان الفائز في مباراة الغد فإن النصر سيكون عربيا مصريا تونسيا وهو الأهم والأبقى.

* شكرا.. ونتمنى لك حظا سعيدا في بداية عملك الدبلوماسي بيننا ونأمل أن تكون اسهاماتك واضحة في تطوير وتنمية العلاقات الثنائية-المصرية؟

- اشكر جريدة "الصباح" التي أتاحت لي هذه الفرصة، ونحن هنا في خدمة الإعلام النزيه، وسنحاول قدر المستطاع العمل في سبيل دعم علاقات بلدينا وتطويرها في عالم يتميز بالتحالفات، وتحالفنا مع تونس سيكون إستراتيجيا على درب الرقي بشعوبنا وبناء ديمقراطيات جديدة تكفل الحريات وتكرس كرامة الفرد وتحقق له العيش الكريم.

حاوره: سـفـيان رجـب ووجيه الوافي