مجدي الورفلي
تثير التوترات بين الحكومة والجهاز الأمني في تونس مخاوف من تأثيراتها على الوضع الأمنيّ العام، خصوصًا مع بوادر تسييس المؤسسة الأمنية من خلال مطالبها النقابيّة التي يعتبرها البعض تدخلاً صارخًا في شؤون الإدارة، علاوة على تصاعد التجاذبات غير المعلنة أخيرًا بين المؤسستين الأمنية والعسكرية.
تونس: أحدث التجاذبات التي يشهدها السلك الأمني في تونس، تنحية آمر الحرس الوطني الذي ينحدر من الجيش التونسي بطريقة وصفت بالمهينة، دفعت بالوزير الأول في الحكومة الانتقالية الباجي قائد السبسي إلى إعلان حلّ النقابات الأمنية، ووصف بعض رجال الأمن بـ"القردة".
وتظاهر رجال الأمن في تونس طيلة الأيام الماضية، مطالبين الوزير الأول بالاعتذار والتراجع عن القرارات التي تخص حلّ النقابات وإيقاف النقابيين عن العمل.
وفي تصريح لـ(إيلاف)، أكد عبد الحميد جراي الكاتب العام لنقابة قوات الأمن الداخلي: "مطلبنا الأساسي هو اعتذار الوزير الأول على إهانته لأعوان الأمن والتراجع عن القرارات التي تخصّ حلّ نقابة قوات الأمن الداخلي وإيقاف النقابيين عن العمل، ونحن لم ولن نتدخل في صلاحيات الإدارة أو الدولة، وكل الاتهامات بتسييس النقابة ومن خلالها المؤسسة الأمنية مغلوطة لا أساس لها من الصحة، وقرار حل النقابة مبني أصلاً على معلومات خاطئة في ما يخصّ تنحية آمر الحرس الوطني الذي ينحدر من الجيش الوطني".
في السياق نفسه، قالت مي الجريبي الأمين العام للحزب الديمقراطي التقدمي خلال لقاء مع (إيلاف): "نقابات الأمن في رأينا يمكن أن تواصل العمل النقابي، لكن المسالة يجب أن لا تتجاوز المطلبية والعمل النقابي، واعتقد أن التونسيين عانوا طيلة عقود تسييس المؤسسة الأمنية، وهذا أمر خطر، وهناك مؤشرات على ذلك اليوم كالتدخل في القرارات ورفضها ومناقشتها، ونحن نطالب بوجوب تحلّيها بالحياد، لأنها عنصر من عناصر تواصل واستقرار الدولة خاصة، وخلال اللحظات العصيبة التي مررنا بها كان الأمن والحرس والجيش متكاتفين لحماية تونس، وأملنا أن يبقوا كذلك، وفوق الصراعات السياسية، وان تكون هذه الانفلاتات ظرفية".
من جانبه يقول المحلل السياسي الجمعي القاسمي خلال حديث مع (إيلاف): "في اعتقادي هناك تأثير مباشر للتجاذبات بين الحكومة ورجال الأمن، خاصة أن تونس على أبواب استحقاقين مهمين، هما انتخابات المجلس التأسيسي، والعودة المدرسية والجامعية، وإذا أخذنا بالاعتبار الوضع الأمني الهشّ الذي يفتقد العديد من المقومات التي تساعد في إجراء انتخابات في مناخ سليم، أرى أن هذه التجاذبات التي بدأت بسبب كلمة الوزير الأول، وما تضمنه خطابه من أوصاف وقرارات، أرى أنها لم تكن في وقتها نظرًا إلى طبيعة الوضع الأمني بصفة عامة".
وأضاف القاسمي: "النقطة الثانية، والتي يجب التركيز عليها، هي أن الوضع الأمني ليس داخليًا فحسب، إنما له امتداد إقليمي، ومرتبط بالأساس بالوضع الأمني في ليبيا وتأثيراته المحتملة على الوضع الميداني في تونس، واقصد تحديدًا طبيعة الخلافات التي قد تبرز بين أعضاء المجلس الوطني الانتقالي الليبي والفصائل المسلحة التي بدأت بالظهور. من ناحية أخرى الوضع في الجزائر، أو بالأحرى ما يخطط له في الجزائر وتأثيره على الوضع الأمني في تونس".
وقال الخبير الأمني يسري الدالي لـ(إيلاف) "التأثير نفسي أكثر منه ميداني عملياتي لكون التحركات الاحتجاجية لقوات الأمن خارج حدود العمل، وهناك تجاذب قوى بين الحكومة والأمن، والأكيد أن له تأثيرًا سلبيًا، ولكن اعرف جيدًا أن هناك أمنيين يتخلون بالوطنية، إلا أنه يجب إبعاد رجال الأعمال الفاسدين المتحكمين بالمؤسسة الأمنية، والذين سعوا خلال حكم الرئيس السابق إلى "دكتترتها"، ولايزالون للأسف إلى الآن يتحكمون ويصدرون الأوامر، والسؤال الذي يجب طرحه هو لماذا تمت تنحية آمر الحرس الوطني بتلك الطريقة المهينة؟".
وتابع الخبير الأمني "لا يمكن الحديث عن تسييس بالمعنى التام، ولكن إحداث نقابة موازية لنقابة قوات الأمن الداخلي هو في حد ذاته عمل سياسي في إطار ما يعرف بسياسة تعديل القوى التي لا نفع منها، حيث سعى كل من النقابتين إلى فرض نفسه.
ومن هنا أقول إن هناك عدم نضج في ما يخص العمل النقابي، وكما نعلم المؤسسة الأمنية حديثة العهد في العمل النقابي، ومن الطبيعي أن يكون هناك عدم اتزان في ردود الفعل النقابية، حيث إن التحركات التي قامت بها نقابة قوات الأمن الداخلي تنمّ عن عدم خبرة واندفاع في الفعل ورد الفعل"، على حدّ تعبيره.
ويرى المحلل السياسي جمعة القاسمي أن "هناك محاولة لمواصلة تسييس مؤسسة شبه عسكرية سمح لها بالعمل النقابي، الذي يمكن نعته بالفتي، والواضح من خلال التحركات الأولية لهذه النقابة وسعيها إلى حرق المراحل بسرعة فائقة في اتجاه تسييس عملها، فتجاوزت العمل النقابي في خطوة نحو زجّ النقابة في عمل سياسي بدا واضحًا من خلال بيان نقابة قوات الأمن الداخلي الأخير، والذي طالب صراحة بإشراكه في اتخاذ القرارات المتعلقة بالتعيينات، والجميع يعلم أن هذه التعيينات شبه عسكرية، يتم اتخاذها من قبل الحكومة والرئيس، وكان على نقابة قوات الأمن الداخلي فهم طبيعة العمل النقابي أولاً قبل التورّط في مسالة ذات بعد سياسي كما ورد في بيانها الأخير".
في سياق متصل، عززت السلطات التونسية الإجراءات الأمنية تحسبًا لأي تهديد متعلق بعمليات للقاعدة في الذكرى العاشرة لهجمات 11سبتمبر/ أيلول على الولايات المتحدة، حسب ما أعلن عنه المتحدث باسم وزارة الداخلية.
وأكد هشام المؤدب في مؤتمر صحافي أن معلومات تناقلتها وسائل إعلام أجنبية تفيد بأن تنظيم القاعدة يعتزم القيام بعمليات إرهابية بمناسبة مرور 10 سنوات على أحداث 11 سبتمبر 2001، وتونس إحدى الدول المستهدفة.
تجاذب وتحصين المواقع
يرى ملاحظون ومتابعون للشأن التونسي أن فترة ما بعد 14 يناير/كانون الثاني تميزت بتجاذبات غير معلنة، تتجه نحو التوتر بين المؤسستين الأمنية والعسكرية رغم قيامهما بعمليات موحدة، فرضتها حالة الطوارئ، ومن ابرز مؤشراتها تنحية آمر الحرس، الذي ينحدر من الجيش التونسي، وإعلان المؤسسة العسكرية في وقت سابق عن القناصة الذين قتلوا متظاهرين إبان الثورة، هم بالأساس أعوان امن وزارة الداخلية التونسية.
في هذا السياق، قال المحلل السياسي الجمعي القاسمي لـ(إيلاف) "نحن نعي أن هناك نوعًا من التجاذب بين المؤسستين العسكرية والأمنية، والذي اقترب من مرحلة التوتر، وهذا واضح من خلال ما حدث في العوينة (ثكنة الحرس في تونس) وتنحية آمر الحرس الوطني، من منطلق انه ينتمي إلى المؤسسة العسكرية، وليس إلى المؤسسة الأمنية، وهذا مؤشر خطر جدًا، عدا أن التجاذبات كانت شبه واضحة بداية من المسرحية التي وردت على لسان الطرهوني، والتي كانت موجهة بالأساس إلى المؤسسة العسكرية، وكلنا يعلم أن المؤسسة العسكرية ردت بأخرى مشابهة بالإعلام عن اكتشاف متفجرات وضابط ليبي كان يخطط لتفجير سفارة عربية في تونس.
للإشارة إلى ان قوات الأمن لا تقوم بعملها، ومن ثم إعلان وزارة الدفاع أن القناصة من وزارة الداخلية، بمعنى آخر التجاذب قائم، والتخوف مشروع، ولكن لا اعتقد أن الأمر سيصل إلى الصدام المباشر بين المؤسستين، لأن الجيش لا يزال يحمي النظام الجمهوري، والداخلية رغم قوتها الميدانية تعي أن الوضع لن يتحمل أي صدام مباشر من أي نوع كان".
وبحسب سبر آراء أعلن عنه أخيرًا أبدى 56.7% من التونسيين عن عدم رضاهم على الوضعية الأمنية في تونس، وأكد 68.7% وجود علاقة بين أداء الحكومة وتواصل التوتر الاجتماعي، ويعتقد 60.1% من المشاركين في الاستبيان أنّ الوضعية الحالية للبلاد غامضة، فيما يرى ربع المستجوبين فقط أنّ الوضع يسير في الاتجاه الصحيح.
في سياق متصل، تراجع تصنيف تونس في تقرير منتدى دافوس، الذي يعدّ واجهة للاستثمار في العالم، إلى المرتبة 40، وذلك لحالة عدم الاستقرار السياسي والمؤسساتي وعدم وضوح الرؤية للمستثمرين، حسب ما أكده خبراء في الاقتصاد.