الحمد لله رب العالمين ، ولي الصالحين ، والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين ، نبينا محمدٍ بن عبد الله ، وعلى آله وصحابته أجمعين ، وبعد ؛ فمما لا شك فيه أن تزايد نسبة حوادث الانتحار في مجتمعنا يُعد أمراً طارئاً ومُستغرباً لاسيما أننا- ولله الحمد- نعيش في مجتمعٍ مسلمٍ يحترم النفس الإنسانية ، ويُعلي من شأنها ، ويُحرِّم قتلها أو تعريضها لأي نوعٍ من أنواع الإيذاء القولي أو الفعلي ؛ انطلاقاً من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف وتوجيهاته العظيمة التي نهت عن ذلك وشدّدت الوعيد لمن يأتيه أو يُسهم فيه بأي شكلٍ من الأشكال . وفي اعتقادي أن هناك بعض العوامل الاجتماعية والنفسية التي قد تدفع بالإنسان الجاهل إلى الانتحار ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي : 1 ) ضعف الوازع الديني عند الإنسان ، وعدم إدراك خطورة هذا الفعل الشنيع والجريمة الكُبرى التي يترتب عليها حرمان النفس من حقها في الحياة ؛ إضافةً إلى التعرض للوعيد الشديد والعقاب الأليم في الدار الآخرة . 2 ) عدم اكتمال المعنى الإيماني في النفس البشرية إذ إن الإيمان الكامل الصحيح يفرض على الإنسان الرضا بقضاء الله تعالى وقدره ، وعدم الاعتراض على ذلك القدر مهما بدأ للإنسان أنه سيءٌ أو غير مرضِ . ولا شك أن الانتحار لا يخرج عن كونه اعتراضاً على واقع الحال ودليلاً على عدم الرضا به . 3 ) غلبة الظن الخاطئ عند المنتحر أنه سيضع بانتحاره وإزهاقه لنفسه حداً لما يعيشه أو يُعانيه من مشكلاتٍ أو ضغوطٍ أو ظروف سيئة ، وهذا مفهومٌ خاطئٌ ومغلوطٌ وبعيدٌ كل البُعد عن الحقيقة . 4 ) الجهل والجزع وعدم الصبر ، والاستسلام لليأس والقنوط وما يؤدي إلى ذلك من الهواجس والأفكار والوساوس . أما لماذا لم يعرف مجتمعنا هذه الظاهرة إلا مؤخراً ؛ فيرجع ذلك إلى أسبابٍ منها : 1 – الانفتاح الإعلامي والثقافي غير المنضبط الذي نعيشه في مجتمعنا المعاصر ، الأمر الذي دعا إلى تقليد الآخرين والتأثر بهم في كل شأنٍ من شؤونهم ، وهو أمرٌ غيرُ محمودٍ لما فيه من ضياع الهوية واستلابها . 2 – كثرة المشكلات الأُسرية التي أصبح مجتمعنا يعانيها ؛ والتي ترتب على انتشارها نتائج مؤسفة مثل التفكك الأُسري ، وانتشار بعض الظواهر الاجتماعية السلبية التي يأتي من أبرزها جريمة الانتحار . 3 – التأثر الشديد ولاسيما عند صغار السن ومحدودي الثقافة بما تبثه القنوات الفضائية من أفكارٍ وطروحاتٍ وموضوعاتٍ تحث بصورةٍ مباشرةٍ أو غير مباشرة على الانتحار، وتجعل منه حلاً عاجلاً وسريعاً لكثيرٍ من المشكلات النفسية والاجتماعية التي يعاني منها بعض الناس . أما علاج هذه الظاهرة فلا يمكن أن يتم إلا بالعودة الصادقة إلى الله تعالى والالتزام الصادق بما أمر الله به من أقوالٍ وأعمالٍ وأوامر ونواهٍ جاءت في مجموعها مُمثلةً لدور التربية الإسلامية ومؤسساتها الاجتماعية المختلفة في تحصين الفرد وحمايته من هذا الانحراف السلوكي الخطير عن طريق التالي : أ ) التمسك بمبادئ وقيم وتعاليم وتوجيهات التربية الإسلامية الصحيحة ، والعمل على تطبيقها في واقعنا المعاصر لما تُقدمه من حلولٍ ناجحةٍ لجميع المشكلات والظواهر السلبية في المجتمع . ب ) زيادة الجرعات التوعوية اللازمة لأفراد وفئات المجتمع عن طريق مختلف الوسائل الإعلامية والتعليمية ؛ لبيان خطر جريمة الانتحار وبشاعتها وما يترتب عليها من نتائج مؤسفة وعواقب وخيمة سواءً على الفرد أو المجتمع . ج ) مراقبة الله تعالى في مختلف الأعمال والأقوال ، وفي كل شأنٍ من شئون الحياة عند الإنسان ؛ إذ إن من راقب الله تعالى وخافه واتقاه لن يستحوذ عليه الشيطان ، ولن يلقي بنفسه إلى التهلكة ، لأنه يعلم أنه سيُسأل عن ذلك أمام الله تعالى . د ) محاولة تفهم الظروف والأسباب التي قد تدفع بعض أفراد المجتمع إلى محاولة الانتحار ، ومن ثم العمل على مد يد العون لهم ، ومساعدتهم في حلها . وبذلك يتم القضاء على أسباب هذه الظاهرة ودواعيها بإذن الله . هـ ) إخضاع الظواهر السلبية في المجتمع للدراسة والبحث حتى تُعرف أسبابها ودواعيها ، ومن ثم تبدأ خطوات الوقاية منها ، وإيجاد العلاج المناسب لها . وفي الختام ، نسأل الله تعالى أن يحفظنا جميعاً من كل شر ، وأن يوفقنا إلى طاعته ، وأن يرزقنا حياةً طيبةً ، وأن يختم لنا بخاتمةٍ حسنة ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين . |