[center]الوزير المكلّف بالإصلاحات في وزارة الداخلية لـ «الشروق» نقابات الأمن: المطالب مشروعة، والطريقة غير مشروعــة
تونس (الشروق)
دفع الفضول بكثير من الاعلاميين والحقوقيين والمسيسين سواء داخل الأحزاب أو خارجها لمعرفة ما يُطبخ داخل مكاتب وزارة الداخلية من إصلاحات وأفكار وخطوات لاعادة بناء الهيكل الأمني التونسي
وتعاظم هذا الفضول بعد تعيين الاستاذ لزهر العكرمي المحامي والوجه الحقوقي في 2 جويلية الماضي وزيرا مكلفا بالاصلاحات معتمدا لدى وزير الداخلية.
ولأن تعيينه تزامن مع فترة حرجة وفي وزارة ما فتئت تخطف الأنظار بعد ثورة 14 جانفي بما يجدّ فيها وحولها من أحداث عنف واحتجاجات شعبيّة واسعة أسقطت نظاما سياسيا ذات جمعه يوم التفّت الصفوف في شارع الحبيب بورقيبة وعلا صوت واحد فوق كل الأصوات «الشعب يريد إسقاط النظام»، كان لزاما مساءلة الوزير لزهر العكرمي عمّا يدور في مطبخه الاصلاحي في الطابق الخامس داخل البناية البنّية التي طبعت الذاكرة الجماعية التونسية بكثير من الذكريات المخيفة وكانت اليد التي استخدمها بن علي، بافراط، لخنق الحريات العامة والفردية وحكم بها على مدى أكثر من عقدين من الزمن... ولزهر العكرمي الذي كان ,قبل تعيينه وزيرا يقف في الضفّة الأخرى في صفوف المجتمع المدني يقيّم الجهاز الأمني ويشرّح أداءه وينتقد هيكلته ويدفع نحو تعديله واصلاحه كمحام وكناشط حقوقي ,انهمك منذ شهرين ونصف يُعدّ ـ في تكتّم شديد ـ خطّة إصلاحية قال إنه سيكشف عن تفاصيلها في ملتقى وطني عنونه بـ «الأمن والتنمية: جدليّة البنية والوظيفة» وسيعرضه على الرأي العام لتقييمه وقد حاولت «الشروق» كشف الجانب الهام فيه.
قبل أن أسألك عن تفاصيل الخطة الاصلاحية للمؤسسة الأمنية التونسية أريد أن أعرف منك وجهة نظرك في أداء الجهاز الأمني طيلة الثمانية أشهر الماضية منذ ثورة 14 جانفي؟
الأمن كان له فضل كبير في ما تنعم به البلاد من استقرار محدود وأوجّه بهذه المناسبة شكرا الى كل المساهمين في هذا الاستقرار وهم رجال الشرطة والجيش الوطني فقد عملوا على إعادة الطمأنينة الى نفوس التونسيين بعد الثورة على أنفسهم وممتلكاتهم وهناك من رجال الأمن من يشعر بالغبن وهناك بالتأكيد أمنيون أكفّاء يتطلعون الى لعب دور في هذه المرحلة وقد يكون جانبهم مهضوما الا أن خاصية الانتقال الديمقراطي تجعل من الغبن مقبولا بشكل نسبي لذلك غلبت إرادة حفظ أمن البلاد وحماية مصالح الناس على الشكوى والتذمّر.
لكن المواطنين وقفوا على سلبية أداء بعض رجال الأمن وتراجع في مستوى النجاعة الأمنية لمكافحة الجريمة المنتشرة وتعامل خجول مع حالات الشغب والاضرار بالمصالح الاقتصادية وحتى في مجال تقديم الخدمات للناس؟
ليست لديّ معلومات دقيقة في هذا الجانب لكن يجب التأكيد على أن قوّات الأمن تعيش حالة نفسية سيّئة نتيجة الانفلات الاعلامي الذي أساء كثيرا الى رجال الأمن وهو ما يحتاج الى إيجاد هيكل أو آليّة للاحاطة النفسية بالأعوان، ونتيجة لذلك تراجعت نوعية الخدمات الأمنية أحيانا في بعض المواقع لكنها تظلّ ظواهر فردية.
هل ترى أن ما حدث داخل الاجهزة الأمنية في المدة الأخيرة من انفلات أمني بعد الاحتجاجات الصادرة عن النقابات الأمنيّة وما خلّفته من فوضى أمنية، قد يسهم في اضعاف المؤسسة الأمنية؟
حاولت الاقتراب من النقابات الأمنية وجمعتني علاقات مودّة وانسجام ظاهري مع اشخاص داخل هذه النقابات وأكاد أجزم ـ على الأقل في ما يخصّني ـ أنني كنت صادقا معهم إلا أنني اكتشفت أن العلاقة معهم ليست من مشمولاتي لكنني أؤكد أن مطالبهم المادية والمعنوية أغلبها شرعي الا أن التعبير عنها كان بطريقة غير مشروعة أحيانا وهذا قد يعود الى حداثة عهد الأمنيين بالعمل النقابي ويتطلب تكوينا واطلاعا على التجارب النقابية في الدول الديمقراطية لاكتساب الخبرة اللازمة التي تمكن من التفريق بين السياسي والنقابي.
نأتي إلى مسألة إصلاح المؤسسة الأمنية فقد مضى على تعيينك أكثر من شهرين ولم نسمع شيئا ذا بال عن الاصلاح، هل مردّ ذلك صعوبة الاصلاح أم استعصاء المؤسسة المعنية بالاصلاح؟
جئت الى وزارة الداخلية للقيام بمهمة الاصلاح وإلى حدّ اليوم لم تحدّد لي حدودها ولا من أين يبدأ الاصلاح ولا أين ينتهي؟ لكني كنت أعمل على وضع ملامح اصلاح تحدثت بشأنه مع كثير من الشخصيات المهتمة بمسألة الأمن وانتهيت الى وضع تصور أولي للاصلاح مع الملاحظة أني غير معني لا بالتعيينات ولا بالترقيات ولا بالعزل ولا بالانتداب ولا حتى بإدارة الأزمات.
لكنك تدخلت لحلّ بعض الأزمات في جهات وقطاعات استعصى حلها؟
تدخلت بإبداء الرأي في بعض الأزمات واكتشفت أن فهم اصلاح الأمن فيه تصورات ثلاثة أولها سياسي يقوم على نسف كل شيء وإعادة بناء الأمور من الصفر وهو تصور خارج وزارة الداخلية وعلى طريقة «بول بريمر» الحاكم الأمريكي في العراق وانتهى الى فشله في إلغاء مؤسسات الدولة العراقية وتصور ثان هو عبارة عن ترميم réparation وليس إصلاحا réforme يقوم على تحسين صورة الشرطي عند المواطن وتدريس مادة حقوق الانسان واستقدام محاضرين من الخارج.
وقد سمعت أن هذا «الترميم» الاصلاحي بدأ منذ شهر مارس الماضي ولا أعلم الكثير عنه، وهناك تصور ثالث لا أقول قرّرته أو توصلت إليه بشكل نهائي، بل أعددناه في شكل مقترحات سنعرضه في ملتقى أيام 22 و23 و24 سبتمبر الجاري بالعاصمة سيحضره ممثلون عن الأحزاب والمجتمع المدني وشخصيات وطنية وأجنبية مختصة بهدف اثرائه وتعديله.
على ماذا يقوم هذا الاصلاح؟
هو مجموعة من الأفكار الكبرى الأولية تستهدف البنية الأمنية وتعديلها بما يتناسب مع الوظيفة الأمنية الجديدة والخروج من أمن النظام العام الذي تحول في السابق الى أمن خاص لفائدة الرئيس وعائلته وأصهاره الى خدمة عامة للمواطنين والمساعدة على التنمية مثل الصحة والتعليم ويصبح من حق المجتمع المدني والسياسي تقييم مدى جودتها والتأثير فيه وتعديله وهو ما يقتضي ايجاد إدارة مرنة أي وزارة للخدمة الأمنية أو وزارة أمن داخلي عكس ما كان يُعرف بوزارة الداخلية والتنمية المحلية ويقتصر دور هذه الوزارة على تأمين الخدمة الأمنية بما في ذلك جمع المعلومات المؤكدة حول كل ما يلزم لصنع القرار السياسي الرشيد كتأمين الاستقرار وأمن المواطنين وحرياتهم الفردية والعامة واستحضر هنا نموذج تنمية مدينة تالة والحوض المنجمي وسيدي بوزيد التي انطلقت منها الثورة.
وما دامت هناك وزارة للتنمية الجهوية فهي التي تشرف على هياكل التنمية وتقتضي الوظيفة الاقتصادية للأمن ايجاد وكالة استخبارات قوية مموّلة جيّدا لتبحث في الخارج عن مجال اقتصادي حيوي لتونس المؤهلة لأن تلتحق بمستوى بعض البلدان الآسيوية مثل كوريا الجنوبية مع تأمين حدود الوطن على غرار بعض التجارب الناجحة في الدول المتقدمة ويمكن التفكير منذ الآن في توحيد القيادات الأمنية لتحقيق النجاعة والفاعلية وهذا يقتضي البدء بتقريب سلكي الشرطة والحرس والاستئناس بالتجارب الناجحة في توحيد هذين السلكين.
وقد يأخذ ذلك وقتا طويلا ولا يمكن القيام به عشوائيا يمكن أن يمسّ بمكاسب كل قطاع أو حتى بالمصالح المشروعة شأنه في ذلك شأن أمن الزي المدني والزي النظامي. ثم إن دولة ديمقراطية لا تحتاج الى إدارات تتحكم في الحريات السياسية والتراخيص حتى للمقاهي.
أما بخصوص انتشار الأمن، فلمزيد النجاعة نتجه نحو تغيير صور مركز الشرطة الذي يجتمع فيه العمل الاداري والعمل العدلي. فقد يجتمع في ذات الوقت المنحرف الذي جيء به للاستنطاق والاطار الاداري الذي جاء لاستخراج شهادة إقامة ويجب أن يخرج المركز من محدودية عدد الأعوان وقلة التجهيزات ليقوم على 60 رجل أمن مجهزين قادرين على التدخل ونجدة المواطنين حتى يكون الأمن قويا وناجعا في تدخلاته دون عنف، كما لا بدّ من التفكير في إحداث تكوين جديد متكامل يبدأ بايجاد كلية للشرطة وانتداب حفاظ أمن بشهادة البكالوريا على غرار المعاهد العليا المتخصصة ويمتد التكوين على سنتين وهي فترة تجعل من الشرطي الذي قضى تكوينا بدنيا وحقوقيا وفنيا قادرا على أن يؤمن المهام الموكولة إليه بأكثر فاعلية وسيكون من الضروري إحداث مركز دراسات استراتيجية لأهداف أمنية لأن الأمن أصبح مادة تباع من حيث هو خبرة عبر العالم وهو سلعة تساهم بدخل وافر لدى بعض الدول.
هل تعتقد أن ما تمّ القيام به من خطوات اصلاحية قبل مجيئك الى الوزارة أتى أكله؟
في التصور الأول الذي حدثتك عنه وهو تصور خارج الوزارة بدت بعض خطواته شبه مرتجلة، فالطرد العشوائي والاعتماد على الاشاعة وتصفية الحسابات بلغة ثورية يضرب العمود الفقري للدولة وقد يستهدف كفاءات أمنية نحن في حاجة إليها وعليه، فإن ما حصل مع 42 ضابطا استهدف مجموعة منهم من يستوجب التقاعد الوجوبي ومنهم من كان ضحية للارتجال وإرضاء الشارع من بينهم أشخاص عملوا في التشريفات أمثال العقيد لطفي الڤلمامي الذي وجب أن يكون لدينا الشجاعة الكافية لإعادة النظر في ملفه وعودة 3 آلاف معزول الى سلك الأمن والحرس كان يجب ان يتم على أساس دراسة الملفات حتى لا يكون قرارا عاطفيا.
وماذا عن الشرطة البلدية التي قيل كلام كثير حول أدائها وعدم فاعليتها؟
اعتقد ان مفهوم الشرطة البلدية بات من الضروري دراسته لتحقيق جمله من الأهداف التي ترفع العبء عن الأمنيين وتحقق مفهوم شرطة الجوار Police de proxcimité ويتم توسيع مجال تدخلها وزيادة عدد أعوانها لتشمل مراقبة الأسواق والشواطئ والمحلات ومراقبة النظافة ومجالات توعوية في مجال الجريمة بدل الاقتصار على مراقبة البناء الفوضوي الذي لم يعط نتائج مضمونة بالكامل.
هل تعتقد ان المؤسسة الأمنية ستتجاوب مع هذه الأفكار؟
أنا جئت هنا لوضع تصوّر حول الاصلاح لأن التسيير اليومي يؤمّنه وزير له كفاءة ادارية ولا أعتقد أن لي ملكة تفكير لاتخاذ قرارات بخصوص الادارة اليومية تفوق ما لدى المشرفين الحاليين من خبرة وكفاءة لذلك تحدد دوري في وضع أفكار تحضّر العشرين سنة القادمة ولن أدّعي أني أنا من سينفّذها أو يشرف على تنفيذها والأفكار الجديدة عادة ما لا تلقى الترحيب وقد تثير الخشية وهذا أمر طبيعي لكن عندما تلتقي الارادات ويتوفر حسن النية يمكن التعديل وتكييف الأفكار حتى تلائم المصلحة العامة التي تقتضي في الجميع العمل على تحقيقها.
هل تخشى أن ينسف المجلس التأسيسي القادم كل هذه الأفكار الاصلاحية؟
أنا لا أقول إنها أفكار ملزمة لأي جهة كانت، المجلس التأسيسي ليس من مشمولاته مناقشة عدد الأعوان في المراكز ولا عدد الدوريات في المناطق الساخنة وتجهيزها الا انه اذا اجتمع على أن هذه الأفكار ضد الاصلاح فسأقتنع بذلك إن تم تقديم تعليل مستند الى الواقع يفتح آفاقا لبلد آمن وشرطة تؤمن بأن عملها في ظل الديمقراطية أنفع لأفرادها من العمل في ظل الاستبداد.
ناجي الزعيري
تونس (الشروق)
دفع الفضول بكثير من الاعلاميين والحقوقيين والمسيسين سواء داخل الأحزاب أو خارجها لمعرفة ما يُطبخ داخل مكاتب وزارة الداخلية من إصلاحات وأفكار وخطوات لاعادة بناء الهيكل الأمني التونسي
وتعاظم هذا الفضول بعد تعيين الاستاذ لزهر العكرمي المحامي والوجه الحقوقي في 2 جويلية الماضي وزيرا مكلفا بالاصلاحات معتمدا لدى وزير الداخلية.
ولأن تعيينه تزامن مع فترة حرجة وفي وزارة ما فتئت تخطف الأنظار بعد ثورة 14 جانفي بما يجدّ فيها وحولها من أحداث عنف واحتجاجات شعبيّة واسعة أسقطت نظاما سياسيا ذات جمعه يوم التفّت الصفوف في شارع الحبيب بورقيبة وعلا صوت واحد فوق كل الأصوات «الشعب يريد إسقاط النظام»، كان لزاما مساءلة الوزير لزهر العكرمي عمّا يدور في مطبخه الاصلاحي في الطابق الخامس داخل البناية البنّية التي طبعت الذاكرة الجماعية التونسية بكثير من الذكريات المخيفة وكانت اليد التي استخدمها بن علي، بافراط، لخنق الحريات العامة والفردية وحكم بها على مدى أكثر من عقدين من الزمن... ولزهر العكرمي الذي كان ,قبل تعيينه وزيرا يقف في الضفّة الأخرى في صفوف المجتمع المدني يقيّم الجهاز الأمني ويشرّح أداءه وينتقد هيكلته ويدفع نحو تعديله واصلاحه كمحام وكناشط حقوقي ,انهمك منذ شهرين ونصف يُعدّ ـ في تكتّم شديد ـ خطّة إصلاحية قال إنه سيكشف عن تفاصيلها في ملتقى وطني عنونه بـ «الأمن والتنمية: جدليّة البنية والوظيفة» وسيعرضه على الرأي العام لتقييمه وقد حاولت «الشروق» كشف الجانب الهام فيه.
قبل أن أسألك عن تفاصيل الخطة الاصلاحية للمؤسسة الأمنية التونسية أريد أن أعرف منك وجهة نظرك في أداء الجهاز الأمني طيلة الثمانية أشهر الماضية منذ ثورة 14 جانفي؟
الأمن كان له فضل كبير في ما تنعم به البلاد من استقرار محدود وأوجّه بهذه المناسبة شكرا الى كل المساهمين في هذا الاستقرار وهم رجال الشرطة والجيش الوطني فقد عملوا على إعادة الطمأنينة الى نفوس التونسيين بعد الثورة على أنفسهم وممتلكاتهم وهناك من رجال الأمن من يشعر بالغبن وهناك بالتأكيد أمنيون أكفّاء يتطلعون الى لعب دور في هذه المرحلة وقد يكون جانبهم مهضوما الا أن خاصية الانتقال الديمقراطي تجعل من الغبن مقبولا بشكل نسبي لذلك غلبت إرادة حفظ أمن البلاد وحماية مصالح الناس على الشكوى والتذمّر.
لكن المواطنين وقفوا على سلبية أداء بعض رجال الأمن وتراجع في مستوى النجاعة الأمنية لمكافحة الجريمة المنتشرة وتعامل خجول مع حالات الشغب والاضرار بالمصالح الاقتصادية وحتى في مجال تقديم الخدمات للناس؟
ليست لديّ معلومات دقيقة في هذا الجانب لكن يجب التأكيد على أن قوّات الأمن تعيش حالة نفسية سيّئة نتيجة الانفلات الاعلامي الذي أساء كثيرا الى رجال الأمن وهو ما يحتاج الى إيجاد هيكل أو آليّة للاحاطة النفسية بالأعوان، ونتيجة لذلك تراجعت نوعية الخدمات الأمنية أحيانا في بعض المواقع لكنها تظلّ ظواهر فردية.
هل ترى أن ما حدث داخل الاجهزة الأمنية في المدة الأخيرة من انفلات أمني بعد الاحتجاجات الصادرة عن النقابات الأمنيّة وما خلّفته من فوضى أمنية، قد يسهم في اضعاف المؤسسة الأمنية؟
حاولت الاقتراب من النقابات الأمنية وجمعتني علاقات مودّة وانسجام ظاهري مع اشخاص داخل هذه النقابات وأكاد أجزم ـ على الأقل في ما يخصّني ـ أنني كنت صادقا معهم إلا أنني اكتشفت أن العلاقة معهم ليست من مشمولاتي لكنني أؤكد أن مطالبهم المادية والمعنوية أغلبها شرعي الا أن التعبير عنها كان بطريقة غير مشروعة أحيانا وهذا قد يعود الى حداثة عهد الأمنيين بالعمل النقابي ويتطلب تكوينا واطلاعا على التجارب النقابية في الدول الديمقراطية لاكتساب الخبرة اللازمة التي تمكن من التفريق بين السياسي والنقابي.
نأتي إلى مسألة إصلاح المؤسسة الأمنية فقد مضى على تعيينك أكثر من شهرين ولم نسمع شيئا ذا بال عن الاصلاح، هل مردّ ذلك صعوبة الاصلاح أم استعصاء المؤسسة المعنية بالاصلاح؟
جئت الى وزارة الداخلية للقيام بمهمة الاصلاح وإلى حدّ اليوم لم تحدّد لي حدودها ولا من أين يبدأ الاصلاح ولا أين ينتهي؟ لكني كنت أعمل على وضع ملامح اصلاح تحدثت بشأنه مع كثير من الشخصيات المهتمة بمسألة الأمن وانتهيت الى وضع تصور أولي للاصلاح مع الملاحظة أني غير معني لا بالتعيينات ولا بالترقيات ولا بالعزل ولا بالانتداب ولا حتى بإدارة الأزمات.
لكنك تدخلت لحلّ بعض الأزمات في جهات وقطاعات استعصى حلها؟
تدخلت بإبداء الرأي في بعض الأزمات واكتشفت أن فهم اصلاح الأمن فيه تصورات ثلاثة أولها سياسي يقوم على نسف كل شيء وإعادة بناء الأمور من الصفر وهو تصور خارج وزارة الداخلية وعلى طريقة «بول بريمر» الحاكم الأمريكي في العراق وانتهى الى فشله في إلغاء مؤسسات الدولة العراقية وتصور ثان هو عبارة عن ترميم réparation وليس إصلاحا réforme يقوم على تحسين صورة الشرطي عند المواطن وتدريس مادة حقوق الانسان واستقدام محاضرين من الخارج.
وقد سمعت أن هذا «الترميم» الاصلاحي بدأ منذ شهر مارس الماضي ولا أعلم الكثير عنه، وهناك تصور ثالث لا أقول قرّرته أو توصلت إليه بشكل نهائي، بل أعددناه في شكل مقترحات سنعرضه في ملتقى أيام 22 و23 و24 سبتمبر الجاري بالعاصمة سيحضره ممثلون عن الأحزاب والمجتمع المدني وشخصيات وطنية وأجنبية مختصة بهدف اثرائه وتعديله.
على ماذا يقوم هذا الاصلاح؟
هو مجموعة من الأفكار الكبرى الأولية تستهدف البنية الأمنية وتعديلها بما يتناسب مع الوظيفة الأمنية الجديدة والخروج من أمن النظام العام الذي تحول في السابق الى أمن خاص لفائدة الرئيس وعائلته وأصهاره الى خدمة عامة للمواطنين والمساعدة على التنمية مثل الصحة والتعليم ويصبح من حق المجتمع المدني والسياسي تقييم مدى جودتها والتأثير فيه وتعديله وهو ما يقتضي ايجاد إدارة مرنة أي وزارة للخدمة الأمنية أو وزارة أمن داخلي عكس ما كان يُعرف بوزارة الداخلية والتنمية المحلية ويقتصر دور هذه الوزارة على تأمين الخدمة الأمنية بما في ذلك جمع المعلومات المؤكدة حول كل ما يلزم لصنع القرار السياسي الرشيد كتأمين الاستقرار وأمن المواطنين وحرياتهم الفردية والعامة واستحضر هنا نموذج تنمية مدينة تالة والحوض المنجمي وسيدي بوزيد التي انطلقت منها الثورة.
وما دامت هناك وزارة للتنمية الجهوية فهي التي تشرف على هياكل التنمية وتقتضي الوظيفة الاقتصادية للأمن ايجاد وكالة استخبارات قوية مموّلة جيّدا لتبحث في الخارج عن مجال اقتصادي حيوي لتونس المؤهلة لأن تلتحق بمستوى بعض البلدان الآسيوية مثل كوريا الجنوبية مع تأمين حدود الوطن على غرار بعض التجارب الناجحة في الدول المتقدمة ويمكن التفكير منذ الآن في توحيد القيادات الأمنية لتحقيق النجاعة والفاعلية وهذا يقتضي البدء بتقريب سلكي الشرطة والحرس والاستئناس بالتجارب الناجحة في توحيد هذين السلكين.
وقد يأخذ ذلك وقتا طويلا ولا يمكن القيام به عشوائيا يمكن أن يمسّ بمكاسب كل قطاع أو حتى بالمصالح المشروعة شأنه في ذلك شأن أمن الزي المدني والزي النظامي. ثم إن دولة ديمقراطية لا تحتاج الى إدارات تتحكم في الحريات السياسية والتراخيص حتى للمقاهي.
أما بخصوص انتشار الأمن، فلمزيد النجاعة نتجه نحو تغيير صور مركز الشرطة الذي يجتمع فيه العمل الاداري والعمل العدلي. فقد يجتمع في ذات الوقت المنحرف الذي جيء به للاستنطاق والاطار الاداري الذي جاء لاستخراج شهادة إقامة ويجب أن يخرج المركز من محدودية عدد الأعوان وقلة التجهيزات ليقوم على 60 رجل أمن مجهزين قادرين على التدخل ونجدة المواطنين حتى يكون الأمن قويا وناجعا في تدخلاته دون عنف، كما لا بدّ من التفكير في إحداث تكوين جديد متكامل يبدأ بايجاد كلية للشرطة وانتداب حفاظ أمن بشهادة البكالوريا على غرار المعاهد العليا المتخصصة ويمتد التكوين على سنتين وهي فترة تجعل من الشرطي الذي قضى تكوينا بدنيا وحقوقيا وفنيا قادرا على أن يؤمن المهام الموكولة إليه بأكثر فاعلية وسيكون من الضروري إحداث مركز دراسات استراتيجية لأهداف أمنية لأن الأمن أصبح مادة تباع من حيث هو خبرة عبر العالم وهو سلعة تساهم بدخل وافر لدى بعض الدول.
هل تعتقد أن ما تمّ القيام به من خطوات اصلاحية قبل مجيئك الى الوزارة أتى أكله؟
في التصور الأول الذي حدثتك عنه وهو تصور خارج الوزارة بدت بعض خطواته شبه مرتجلة، فالطرد العشوائي والاعتماد على الاشاعة وتصفية الحسابات بلغة ثورية يضرب العمود الفقري للدولة وقد يستهدف كفاءات أمنية نحن في حاجة إليها وعليه، فإن ما حصل مع 42 ضابطا استهدف مجموعة منهم من يستوجب التقاعد الوجوبي ومنهم من كان ضحية للارتجال وإرضاء الشارع من بينهم أشخاص عملوا في التشريفات أمثال العقيد لطفي الڤلمامي الذي وجب أن يكون لدينا الشجاعة الكافية لإعادة النظر في ملفه وعودة 3 آلاف معزول الى سلك الأمن والحرس كان يجب ان يتم على أساس دراسة الملفات حتى لا يكون قرارا عاطفيا.
وماذا عن الشرطة البلدية التي قيل كلام كثير حول أدائها وعدم فاعليتها؟
اعتقد ان مفهوم الشرطة البلدية بات من الضروري دراسته لتحقيق جمله من الأهداف التي ترفع العبء عن الأمنيين وتحقق مفهوم شرطة الجوار Police de proxcimité ويتم توسيع مجال تدخلها وزيادة عدد أعوانها لتشمل مراقبة الأسواق والشواطئ والمحلات ومراقبة النظافة ومجالات توعوية في مجال الجريمة بدل الاقتصار على مراقبة البناء الفوضوي الذي لم يعط نتائج مضمونة بالكامل.
هل تعتقد ان المؤسسة الأمنية ستتجاوب مع هذه الأفكار؟
أنا جئت هنا لوضع تصوّر حول الاصلاح لأن التسيير اليومي يؤمّنه وزير له كفاءة ادارية ولا أعتقد أن لي ملكة تفكير لاتخاذ قرارات بخصوص الادارة اليومية تفوق ما لدى المشرفين الحاليين من خبرة وكفاءة لذلك تحدد دوري في وضع أفكار تحضّر العشرين سنة القادمة ولن أدّعي أني أنا من سينفّذها أو يشرف على تنفيذها والأفكار الجديدة عادة ما لا تلقى الترحيب وقد تثير الخشية وهذا أمر طبيعي لكن عندما تلتقي الارادات ويتوفر حسن النية يمكن التعديل وتكييف الأفكار حتى تلائم المصلحة العامة التي تقتضي في الجميع العمل على تحقيقها.
هل تخشى أن ينسف المجلس التأسيسي القادم كل هذه الأفكار الاصلاحية؟
أنا لا أقول إنها أفكار ملزمة لأي جهة كانت، المجلس التأسيسي ليس من مشمولاته مناقشة عدد الأعوان في المراكز ولا عدد الدوريات في المناطق الساخنة وتجهيزها الا انه اذا اجتمع على أن هذه الأفكار ضد الاصلاح فسأقتنع بذلك إن تم تقديم تعليل مستند الى الواقع يفتح آفاقا لبلد آمن وشرطة تؤمن بأن عملها في ظل الديمقراطية أنفع لأفرادها من العمل في ظل الاستبداد.
ناجي الزعيري