سنتان مرتا على صرخة الناصر العويني في شارع بورقيبة: بن علي هرب بن علي هرب,, سنتان مرتا على تناقل كل تلفزات العالم لكلمات عمّ علي الحفناوني وهو يشرق بدموعه: هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية,,,وسنتان مرتا أيضا على إضرام الشاب محمد البوعزيزي النار في جسده الغضّ ليموت ويدعو ملايين التونسيين الى الثورة من أجل الحياة,,,حياة خالية من القمع والديكتاتورية، حياة طاهرة من الفساد والمحسوبية والرشوة، حياة مليئة ببرامج التنمية والتقدم والازدهار بعيدا عن الشعارات الكاذبة والوعود التي لا يتحقق منها شيء.
سنتان مرتا على الجموع الهادرة بغضب: ارحل ارحل ديقاج ديقاج، بحناجر يملؤها التصميم على طيّ صفحة التفرّد بالرأي والتسلّط على الشعب ونهب خيرات البلاد، وفتح صفحة الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتنمية الحقيقية وكرامة الانسان.
هذه الصرخات لم تقف في حدودنا، ولا اختصت بها بلادنا، بل عبرت كل الحواجز واخترقت كل المجالات لتزعزع أركان الديكتاتورية في الوطن العربي وتطيح تباعا بأعتى النظم الاستبدادية القمعية التي عرفها تاريخ العرب والعالم.
قد تكون للثورة انتكاسات، وقد تكون لها توجهات، وقد لا تكون قد خدمت ما هبت من أجله الجماهير الى حد اللحظة، وقد تكون لها انتكاسات في بعض الاقطار العربية وعدم فاعلية في كثير غيرها، لكنها بالتأكيد تبقى لحظة فارقة في تاريخ تونس والعالم.
وفي ما يلي أهم محطات الثورة التونسية وفعالياتها منذ انطلاق شرارتها الاولى من مدينة سيدي بوزيد عندما اشعل البوعزيزي النار في جسده الى غاية امتطاء بن علي الطائرة في رحلته الاخيرة.
17 ديسمبر 2010 أضرم الشاب محمد البوعزيزي، النار في نفسه احتجاجاً على مصادرة السلطات البلدية في مدينة سيدي بوزيد لعربة يبيع عليها الخضر والغلال.
18 ديسمبر اعتصمام أمام مقر الولاية في سيدي بوزيد ومواجهات بين مئات الشبان وقوات الأمن تضامنا مع محمد البوعزيزي واحتجاجا على ارتفاع نسب البطالة والتهميش أدت الى اعتقال عشرات الشبان وتحطيم بعض المنشآت العامة.
21 ديسمبر توسع دائرة الاحتجاجات بولاية سيدي بوزيد لتنتقل الحركة الاحتجاجية من مركز الولاية إلى المعتمديات والمدن المجاورة كالمكناسي والرقاب وسيدي علي بن عون ومنزل بوزيان حيث خرج السكان في مسيرات حاشدة للمطالبة بالعمل وحقوق المواطنة والمساواة في الفرص والتنمية.
24 ديسمبر تطور خطير لأحداث ولاية سيدي بوزيد حيث اتخذت الاحتجاجات السلمية شكل انتفاضة شعبية شملت جميع مدن الولاية، وقامت قوات الأمن بإطلاق الرصاص الحي على المسيرة السلمية في مدينة منزل بوزيان مما أسفر عن مقتل الشاب محمد العماري.
25 ديسمبر تجمع المئات من النقابيين والحقوقيين في ساحة محمد علي في تونس العاصمة للتعبير عن تضامنهم مع أهالي سيدي بوزيد وللاحتجاج على قمع المسيرات الشعبية والاعتقالات واستعمال قوات الأمن للرصاص الحي ضد المحتجين والذي تسبب في سقوط قتيل وعشرات الجرحى.
21 ديسمبر انتقال الحركات الاحتجاجية إلى مدن تونسية أخرى في تصعيد خطير للأحداث حيث رفع المتظاهرون في كل من تونس وصفاقس والقيروان والقصرين وتالة ومدنين وقفصة شعارات مساندة لأهالي سيدي بوزيد ومنددة بتدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية.
21 ديسمبر أول رد رسمي للرئيس السابق زين العابدين بن علي على الاحتجاجات الشعبية في خطاب متلفز بثته القناة الرسمية تونس 7، دان فيه «أعمال الشغب» وقال إنها تضر بصورة تونس لدى المستثمرين وتعهد بتطبيق القانون «بكل حزم» ضد «المأجورين والمتطرفين».
30 ديسمبر بن علي يقوم بتعديل وزاري محدود حيث عين سمير العبيدي وزيرا جديدا للاتصال وغيّر أيضا وزير الشباب والرياضة ووزير الشؤون الدينية.
3 جانفي 2011 مواجهات عنيفة في مدينة تالة بين محتجين وقوات الأمن استخدمت فيها الشرطة القنابل المسيلة للدموع والرصاص الحيّ ما أسفر عن سقوط عدد كبير من الجرحى.
4 جانفي 2011 وفاة محمد البوعزيزي متأثرا بجراحه بعد 18 يوماً من محاولته الانتحار أمام مقر ولاية سيدي بوزيد. وخروج المظاهرات في تالة عن سيطرة قوات الأمن بعد إحراق المتظاهرين لمقر حزب التجمع الحاكم ومبنى للشرطة، وقوات الأمن تستنفر كل إمكانياتها لقمع المتظاهرين دون جدوى.
6جانفي مقتل 6 أشخاص في مدينة تالة وشخصين في القصرين في مظاهرات عنيفة عمت منطقة الوسط الغربي للبلاد في حين وصفت أحزاب معارضة ومنظمات غير حكومية تونسية الخطاب الأخير للرئيس زين العابدين بن علي «بالمخيب لآمال الشعب التونسي».
7 جانفي المظاهرات تصل إلى العاصمة وتتسم بتصاعد العنف خلال الاحتجاجات التي رفعت أول مرة لشعارات ضد الحكومة التونسية والرئيس بن علي مباشرة تطالبه بالرحيل. وقوات الأمن تستعمل الرصاص الحي ضد المحتجين. إضراب 95 بالمائة من المحامين. وسقوط أكثر من 35 قتيلاً في مدينتي القصرين وتالة حسب مصادر نقابية.
10 جانفي خطاب جديد لزين العابدين بن علي لمحاولة تهدئة الأوضاع وتقديم حلول للخروج من الأزمة، ووعود بخلق 300 ألف موطن شغل جديدة واحتواء نسب البطالة المرتفعة لدى حاملي الشهادات، لكنه لم يكن مقنعاً وكافياً لإخماد الاضطرابات.
11 جانفي الحكومة تقول ان حصيلة الاحتجاجات التي شهدتها البلاد وصلت إلى 21 قتيلا حتى الآن، والناطق الرسمي ينفي الأرقام التي نشرتها بعض وكالات الأنباء العالمية.
12 جانفي تم فرض حظر التجول بتونس العاصمة لمواجهة الاحتجاجات الإجتماعية في وقت يتزايد فيه عدد القتلى بعدة مناطق بالبلاد، وتزامنت هذه التطورات مع إقالة الرئيس بن علي وزير الداخلية رفيق الحاج قاسم الذي أصدر الاوامر بإطلاق الرصاص الحي، وتعيين السيد أحمد فريعة مكانه، ووعد باطلاق سراح جميع المعتقلين وفتح تحقيق في قضايا الفساد.
وقد أعلن وزير الداخلية الجديد في أول قرار له عن قرار حالة الطوارئ في البلاد كما أعلن رئيس الوزراء محمد الغنوشي الإفراج عن جميع الأشخاص الذين تم توقيفهم خلال الإضطرابات كما أمر الرئيس بن علي بتشكيل لجنة وطنية للتحقيق في مزاعم الفساد. وفي نفس اليوم أعلنت الشرطة السويسرية أن السفارة التونسية في برن تعرضت لمحاولة إحراقها من قبل أشخاص، لكن المحاولة لم تسفر سوى عن أضرار طفيفة.
ويومها ايضا كان الاضراب العام للصحفيين التونسيين والاعتصام في مقر النقابة والذي ووجه من طرف قوات الامن بالحصار والقمع الشديدين، والذي كان تعبيرا عن تضامن ابناء القطاع مع ثورة شعبهم.
12 جانفي 2011 مقتل خمسة اشخاص في مدينة دوز بينهم أستاذ جامعي عندما فتحت الشرطة النار على المحتجين.
واندلاع أعمال إحتجاجية في عدة مدن تونسية كان أهمها بلا شك المظاهرة التي حشدت قرابة المائة ألف محتجّ في مدينة صفاقس، والتي كانت بالفعل انعطافة تاريخية في مسار الثورة.
13 جانفي2011: اشتدت المواجهات بين المحتجين وما تبقى من الفرق الامنية التي غادر معظمها مراكز العمل وتخلت عن أسلحتها للجيش بعد موجة احراق المراكز الامنية ومقرات التجمع.
في ذاك اليوم القى بن علي خطابه الاخير الذي قال فيه كلمته الشهيرة: «فهمتكم فهمتكم ,, فهمت الناس الكل,, » وفي نفس اليوم قابل الامناء العامين للاحزاب السياسية والمنظمات المهنية وقام بعزل مستشاريه المقربين وعلى رأسهم عبد العزيز بن ضياء وعبد الوهاب عبد الله.
14 جانفي 2011، صباحا اشتدت الاحتجاجات الشعبية في كامل الجمهورية،وكان ابرزها بلا شك المسيرة الحاشدة التي دعا لها الاتحاد العام التونسي للشغل والتي يقول البعض انها تجاوزت المائة ألف متظاهر اجتمعوا امام وزارة الداخلية بشارع الحبيب بورقيبة هاتفين برحيل بن علي.
14جانفي مساء، غادر بن علي تونس في طائرة رئاسية خاصة متوجها الى السعودية، منفاه الاخير، وتشكلت على الفور حكومة مؤقتة ترأسها في البداية السيد محمد الغنوشي كرأس للدولة، لكن لم تمض 24 ساعة حتى وقع اللجوء الى الفصل 76 من الدستور واصبح السيد فؤاد المبزع رئيسا للجمهورية ومحمد الغنوشي رئيسا للحكومةّ، لتدخل تونس في اسبوع من السلب والنهب والقنص ثم تستقر الاوضاع وتدخل تونس مرحلة جديدة من تاريخها، قطعت منها الى حدود اللحظة سنتين، قد يكون تغير فيهما الكثير لكن الاكيد ان ما هو قادم أهم وأكثر.


محمد بوعود