تفسير الآية : {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ}
ومن الآيات التي بيّن الله جلّ ذكره فيها مواقيت الصلاة قوله تعالى في سورة الإسراء : { أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ} .


المراد بدلوك الشمس :
أصل الدلوك من الميل والشمس تميل إذا زالت أو غربت وقيل من الدلك والإنسان عند الزوال يدلك عينيه لشدة ضوء .
قال ابن عطية :
" الدلوك هو الميل في اللغة فأول الدلوك هو الزوال وآخره هو الغروب ومن وقت الزوال إلى الغروب يسمى دلوكا لأنها في حالة ميل فذكر الله تعالى الصلوات التي تكون في حالة الدلوك".
وللعلماء في الدلوك قولان:
أحدهما: أنه زوال الشمس عن كبد السماء قاله عمر وابنه وأبو هريرة وبن عباس وطائفة سواهم من علماء التابعين وغيرهم.
لثاني : أن الدلوك هو الغروب قاله علي وبن مسعود وأبي بن كعب وروي عن بن عباس قال الماوردي : "من جعل الدلوك اسما لغروبها فلأن الإنسان يدلك عينيه براحته لتبينها حالة المغيب ومن جعله اسما لزوالها فلأنه يدلك عينيه لشدة شعاعها".
وقال أبو عبيد : "دلوكها غروبها ودلكت براح يعني الشمس أي غابت ". وأنشد قطرب : هذا مقام قدمى رباح ذبب حتى دلكت براح براح . بفتح الباء على وزن حزام وقطام ورقاس اسم من أسماء الشمس ورواه الفراء بكسر الباء وهو جمع راحة وهي الكف أي غابت وهو ينظر إليها وقد جعل كفه على حاجبه.
قال تقي الدين ابن تيمية -رحمه الله-:
"وليس هذا من استعمال اللفظ المشترك في معينه كليهما، أو استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، بل هذا استعماله في حقيقته المتضمنة للأمرين جميعاً، فتأمله فإنه موضوع عظيم النفع وقل ما يفطن له.وأكثر آيات القرآن دالة على معنيين فصاعدا فهي من هذا القبيل مثال ذلك قوله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل فسر الدلوك بالزوال وفسر بالغروب وليس بقولين بل اللفظ يتناولهما معا فإن الدلوك هو الميل ودلوك الشمس ميلها ولهذا الميل مبتدأ ومنتهى فمبتداه الزوال ومنتهاه الغروب واللفظ متناول لهما بهذا الاعتبار" .
ولهذا الاختلاف في تفسير الدلوك ذهب قوم إلى أن صلاة الظهر يتمادى وقتها من الزوال إلى الغروب لأن الله سبحانه علق وجوبها على الدلوك وهذا دلوك كله قاله الأوزاعي وأبو حنيفة في تفصيل وأشار إليه مالك والشافعي في حالة الضرورة
المراد بغسق الليل :
روى مالك عن ابن عباس قال: " وغسق الليل اجتماع الليل وظلمته".
وقال أبو عبيدة : "الغسق سواد الليل" .
قال ابن قيس الرقيات :
إن هذا الليل قد غسقا واشتكيت الهم والأرقا
وقد قيل: غسق الليل مغيب الشفق .وقيل : إقبال ظلمته .
قال زهير :
ظلت تجود يداها وهي لاهية حتى إذا جنح الإظلام والغسق
قرآن الفجر :
انتصب قرآن من وجهين :
أحدهما : أن يكون معطوفاً على الصلاة ، ويكون المعنى وأقم قرآن الفجر أي صلاة الصبح، قاله الفراء .
وقال أهل البصرة : انتصب على الإغراء. أي: فعليك بقرآن الفجر ، قاله الزجاج. وعبر عنها بالقرآن خاصة دون غيرها من الصلوات لأن القرآن هو أعظمها إذ قراءتها طويلة مجهور بها حسبما هو مشهور مسطور. قال أبو محمد البغوي -رحمه الله - في تفسير قرآن الفجر :
"يعني صلاة الفجر سمي صلاة الفجر قرآنا لأنها لا تجوز إلا بقرآن"
شهود قرآن الفجر:
قال ابن كثير -رحمه الله : عن عبد الله بن مسعود عن أبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا قال تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار.
وأسند البخاري إلى أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر" يقول أبو هريرة أقرؤا إن شئتم وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا. وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قالSad يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الصبح وفي صلاة العصر فيعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم بكم كيف تركتم عبادي فيقولون أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون) وقال عبد الله بن مسعود: " يجتمع الحرسان في صلاة الفجر فيصعد هؤلاء ويقيم هؤلاء"
وكذا قال إبراهيم النخعي ومجاهد وقتادة وغير واحد في تفسير هذه الآية


قال القرطبي -رحمه الله - :"وهذه الآية بإجماع من المفسرين إشارة إلى الصلوات المفروضة" .
قال ال***ي -رحمه الله -في التسهيل: "هذه الآية إشارة إلى الصلوات المفروضة فدلوك الشمس زوالها والإشارة إلى الظهر والعصر وغسق الليل ظلمته وذلك إشارة إلى المغرب والعشاء وقرآن الفجر صلاة الصبح".
وقال ابن سعدي -رحمه الله- :
" ففي هذه الآية ذكر الأوقات الخمسة للصلوات المكتوبات ".


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين