على خلفية صراع إستراتيجي على المنطقة.. بوابته تونس
هل تكون المخابرات الأمريكية أو الفرنسية وراء اغتيال بلعيد ؟
اختلفت
التحليلات والتأويلات المتعلقة بعملية الاغتيال التي تعرض لها الشهيد شكري
بلعيد في وقت يتصاعد فيه الحديث عن الدور المكثف الذي باتت تلعبه أجهزة
الاستخبارات الأجنبية في تونس وصل على شبكات التواصل الاجتماعي إلى تحميلها
مسؤولية عملية الاغتيال،
وإن كان التحقيق وحده القادر على كشف ملابسات الجريمة وتحديد المسؤول عنها، يبقى الأمر مفتوحا على سيناريوهات عدة.
دكتور
العلوم السياسية والمختص في مجال الدفاع والأمن الشامل نصر بن سلطانة
يختصر الأمر في فرضيتين اثنتين، فإما أن يكون الاغتيال قد تمّ بتحريض أو
تخطيط من أجهزة استخباراتية أجنبية والهدف هنا خلق جبهة شعبية وحزبية ضدّ
الحركات الإسلامية وخاصة النهضة ومن وراء ذلك ضرب المشروع الأمريكي القائم
على دعم الحركات الإسلامية..
..في
حين أن الفرضية الثانية تقوم على اعتبار ان المسؤول عن العملية طرف داخلي،
حيث يمكن أن تكون قد نفذت على أيدي عناصر متشددة وذلك يعني خدمة أجندة
داخلية تأتي في إطار تصاعد التهديدات ضدّ النشطاء السياسيين والهدف هنا
يبقى ترهيب كل من يعارض التيار الإسلامي إضافة إلى الإبقاء على حالة عدم
الاستقرار السياسي والأمني الذي سيؤدي إلى إطالة الوضع الحالي وتأجيل
الاستحقاقات الديمقراطية..
أما
الخبير العسكري والأمني فيصل الشريف فيوضح أن أجهزة المخابرات الأجنبية
التي تصاعد نشاطها بعد الثورة تهدف بالأساس إلى مراقبة الوضع الانتقالي في
البلاد. وإن كان الخبير العسكري والأمني لا ينفي أن تكون أجهزة استخباراتية
ناشطة في تونس فإنه يؤكد أن الذهاب إلى تحميلها المسؤولية يجعلنا نطرح
سؤالا جيدا ولكنه سؤال خاطئ لان الامر مفتوح على احتمالات عدّة.
ويمكن فهم نشاط
أجهزة الاستخبارات في تونس والعمليات التي يمكن ان تنفذها من منطلق مصالح
مختلف الدول الكبرى في المنطقة. فالأجهزة الاستخباراتية تعمل في كل الدول
كما يوضح بن سلطانة -رئيس جمعية الدراسات الاستراتيجية وسياسات الأمن
الشامل وهي جمعية معنية بالمنظومة الأمنية المتكاملة بما فيها الأمن
الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والعسكري والثقافي والغذائي- ولكن دورها
يتضاعف بالتزامن مع حالات عدم الاستقرار.
الهدف
من هذا العمل الاستخباراتي المكثف هو خدمة اجندة امنية وسياسية قد لا تكون
تونس معنية بها بشكل مباشر ولكن تونس تمثل عنصرا في خطة استراتيجية
للمنطقة ككل. ويشير بن سلطانة في هذا الصدد إلى أن الوزن الجيواستراتيجي
لتونس يجعل منها هدفا لأجهزة المخابرات الدولية.
فإلى
جانب أنها تطل على مسلك حيوي لنقل الطاقة عبر المتوسط ومسألة الهجرة غير
الشرعية وأنشطة الجريمة المنظمة وتهريب المخدرات، فإن حضور القاعدة في
المغرب الإسلامي وامتدادها إلى تونس يعدّ من بين الأسباب الرئيسية المفسرة
لنشاط هذه المنظمات الاستخباراتية. كما تشير تقارير امريكية إلى أن
الولايات المتحدة تعمل على توسيع نشاط أجهزتها الاستخباراتية العسكرية في
القارة الإفريقية. فالهدف المعلن حسب هذه التقارير هو متابعة نشطاء القاعدة
ومراقبتهم ويتسع مجال عمل هذه الأجهزة ويتغير بتغير وتوسع نشاط القاعدة في
المغرب الإسلامي والمنظمات الجهادية الأخرى في إفريقيا.
إلا
أن بن سلطانة يذهب إلى حدّ القول بأن الامر يتعلق بمتابعة دور القاعدة في
توفير المناخ الملائم لتمرير الأجندات الأجنبية سواء في ليبيا أو مالي.
وتعد
تونس جزءا من منطقة عربية معنية بمشروع أمريكي قديم متجدد يتمثل في دعم
الحركات الإسلامية للوصول إلى السلطة في إطار ما يعرف بـ«الاستراتيجية
الأمريكية الكبرى». هذا إلى جانب المصالح الحيوية الأمريكية على المستوى
الاقتصادي في إفريقيا إذ دخلت إفريقيا تحت ما يعرف بمبدإ كارتر والذي يعني
حماية المنابع والإمدادات النفطية ولو بالقوة العسكرية، كما انه ومنذ 2009
بدأت مراكز البحث والتفكير الأمريكية بالدعوة إلى التعامل مع منطقة المغرب
العربي بصفة منفصلة عن الشرق الأوسط يبرز ذلك خاصة من خلال ورقة بحثية
صادرة عن معهد «بوتوماك» للدراسات السياسية في جامعة «إيرلغتون» بالتعاون
مع إدارة النزاعات في جامعة جون هوبكينز بواشنطن تحت عنوان «مشروع ورقة عن
سياستنا في شمال إفريقيا»، حسبما يوضحه المختص في مجال الدفاع والأمن
الشامل.
وفي
المقابل نجد كما يوضح بن سلطانة المصالح الفرنسية في القارة الإفريقية
والمغرب العربي بالخصوص والمتمثلة في مصالح الطاقة وخاصة مناهضة المشروع
الأمريكي في دعم الحركات الإسلامية. فاليوم نعيش شبه صراع في تونس بين
مشروع أمريكي مساند للإسلاميين ومشروع فرنسي يساند الليبراليين واليسار.
هذه
المصالح المختلفة والمتعددة تفسر النشاط المتزايد لأجهزة الاستخبارات
الأجنبية في تونس، نشاط يرتبط في جانب منه بالمصالح الاقتصادية والأمنية
لكنّه أيضا يتعلق بأجندات سياسية وإيديولوجية قد تدفع بهذه الأجهزة إلى
العمل على خدمة المشروع الذي تسعى الى تحقيقه.
كما أنه من الصعب تحديد الجهة التي نفذت عملية الاغتيال
وأن كل الاحتمالات ممكنة. إلا أنه يشير إلى ان عملية الاغتيال شبيهة
بالطريقة التي اعتمدت أكثر من مرة في اغتيال علماء إيرانيين.
فعادة ما
يقترب القاتل على دراجة نارية من الهدف، ثم يوجه له عدة طلقات ليرديه
قتيلا ويلوذ بالفرار. فالأسلوب على حدّ تعبيره ليس تونسيا بالمرة كما أن
العملية تمت بشكل مهني شبيه بعمليات التصفية التي استهدفت علماء البرنامج
النووي الإيراني.
وفي
ما يتعلق بنشاط متزايد لأجهزة الاستخبارات الأجنبية، يؤكد النائلي أن
هنالك نوعا من الصراع بين المخابرات الفرنسية والأمريكية هدفه تونس في
بعدها الإقليمي خاصة المغاربي من أجل الضغط على الجزائر ومواصلة تأمين
منابع النفط. ويشير الخبير التونسي إلى أن المستهدف من العملية مهما كان
الطرف المسؤول عن تنفيذها ليس الشهيد شكري بلعيد وإنما ضرب الوضع الأمني في
تونس، مضيفا أن من خطط لانطلاق الجريمة السياسية في تونس يسعى إلى زجّ
البلاد في بوتقة الفتنة واستمرار العنف