العديد من القضايا المتعلقة بملف العنف الأسري داخل مجتمعاتنا العربية وعوامل التفكك التي عرفت طريقها إلى الأسرة العربية، والعمالة المنزلية ودورها السلبي في التأثير على قيم الأسرة وهويتها، وما يلعبه الإعلام من دور مثير للجدل في هذا الشأن، كانت محور حوار زين بالصراحة مع د. عمر بن إبراهيم المديفر استشاري الطب النفسي المعروف، ورئيس قسم الصحة النفسية بمستشفي الحرس الوطني بالعاصمة السعودية الرياض، فإلى تفاصيل الحوار:
ـ تزايد حالات العنف الأسري في المجتمعات العربية .. في تقديرك ما أبرز أسباب هذا التزايد؟
هناك العديد من الأسباب التي تقف وراء حالات العنف الأسري فذلك يرتبط بعدة محاور أولها، أن هناك تغيرا اجتماعيا على مستوى كل المجتمعات يتمثل في انهيار أو تراجع مفهوم الأسرة ودرجة تماسكها، وهي ظاهرة عالمية ليست في مجتمعاتنا العربية فقط، لأن الحضارة الحديثة تضعف من دور الأسرة، وتقوي دور الفرد وتجعله أنانيا لا يهتم إلا بمتعته الشخصية.
أما المحور الثاني فيتعلق بحجم الضغوط التي يتعرض لها الأفراد خلال حياتهم اليومية، ما رفع من درجة التوتر النفسي في المجتمعات الحديثة والتي بات أفرادها أكثر قسوة على بعضهم البعض وأكثر ميلاً للعنف.
كما يعد أيضا ضعف الدوافع الدينية عاملاً أساسياً يقف وراء تراجع قدرة الإنسان على الاحتساب في علاقاته الأسرية، كأن يتقي الإنسان الله في زوجته وأبنائه وجيرانه، وبالتالي كان هذا التراجع سبباً في وقوع حالات عنف مجتمعي، هذا بالإضافة إلى انعزال الأسر عن بعضها البعض، مقارنة بما كان عليه الحال في الماضي من حالة التقارب والاندماج التي كانت قائمة بين الأسر ما كان يخفف من ضغوط الحياة على أفرادها.
ولا يمكن أيضا تجاهل العمالة المنزلية ودورها السلبي في التأثير على قيم الأسرة وهويتها، وإضعاف الروابط بين أفرادها، وتعزيز احتمالات استغناء الطفل عن أمه واللجوء دوما للخادمة، كما أن الكثير من الخادمات المستقدمات غير مؤهلات، ولا يملكن المهارات والقدرات التربوية اللازمة، ويصب ذلك في مجمله في اتجاه تعزيز مستوى العنف داخل المجتمع.
" للبيوت أسرار" .. كيف يمكن اكتشاف هذه الحالات في مجتمعاتنا، خاصة في ظل الثقافة السائدة التي تؤثر الصمت خشية الفضيحة؟
بالفعل كما تقول فمن الصعب اكتشاف حالات العنف من دون وجود آثار لذلك، لكن هناك بعض الأعراض التي قد تشير لوقوع حالات عنف مثل إصابة الطفل بالخوف أو الخجل الشديدين، انحدار مستواه الأكاديمي والتخلف عن الدراسة، وانحراف سلوكياته، وغير ذلك من الأعراض.
وهنا يجب التأكيد على أمر مهم، وهو أننا عندما نعزز الجانب الأمني في معالجة هذه القضايا فإن الضحية لن يؤثر الصمت، بل في حال تعزيز جانب المساعدة النفسية والتربوية وإشاعة ذلك سيتوجه الأب أو الأم لطلب المساعدة، لأنه في هذه الحالة يدرك أن التعامل معه لن يكون من منطلق أنه متهم، بل يحتاج للدعم والمساعدة، وأذكر حالة قام خلالها الأب بإيذاء الابن حتى وصل ذلك إلى تعرض قدمه للكسر، وندم الأب ندما شديدا على فعلته، وهو في هذه الحالة لا يحتاج لعقاب بقدر ما يحتاج بشكل ملح لدعم نفسي لتقويم سلوكه.
أما الحالات التي لديها اضطرابات نفسية وعصبية، ويرتكبون جرائم تصل إلى القتل والإيذاء الشديد والسادية فهؤلاء يحتاجون إلى العقاب الصحيح.
ـ في رأيك هل تكثيف نشر هذه القضايا في الصحافة ووسائل الإعلام يعزز من الاهتمام بهذه القضية ويساهم في معالجتها وتقليصها؟
لا أعتقد ذلك، ويجب ألا يركز الإعلام عليها، وفي تصوري أن تضخيم هذه القضايا يؤثر على مسارها القانوني والقضائي، كما أن النشر قد يزيد من تفاقم أزمة الضحية نفسيا،
ونشر الصور اختراق للخصوصية، كما أن المجتمع قد يتعامل معه بشكل مختلف جراء الانطباعات التي ترسخت لديه بعد النشر في وسائل الإعلام، مع الأخذ في الاعتبار أن التضخيم الإعلامي لبعض الحالات يُصعب مهمة التعامل معها وحلها، وأرى أن بعض الصحافيين، بحثا عن سبق صحفي ومن دون خبرة وإدراك لحساسية هذه القضايا، يتسرع في النشر وتضخيم الحدث.
ولذلك أدعو إلى معاقبة من يتجرأ على اقتحام خصوصية الناس، فالإنسان له حرمته وهو حي وكذلك وهو ميت، والحل مناقشة القضايا بحس ايجابي من دون تضخيم، وأيضا من دون أن ندس رأسنا في التراب.
ـ تقولون إن الإعلام قد يضخم من الظاهرة .. هل يعني ذلك أنه يلعب دوراً سلبياً؟
أنا أرى أن الإعلام لا يتعامل مع الظاهرة بواقعية، والإعلام العربي في الجملة يصب في اتجاه إشعار المجتمعات العربية بأنها مجتمعات مريضة وسيئة وأنها متخلفة ومصابة بالاضطرابات، هذا دور سيئ بالتأكيد لأنه لا يعالج المشاكل، وإنما يجعلنا نفقد اعتزازنا بالنواحي الايجابية التي تفتقدها الحضارة الغربية الحديثة مما يجعل شعوبنا غير فخورة بنفسها، بينما كل هذه الظواهر عالمية ولا تخص مجتمع بعينه، ويجب على الإعلام لعب دور إيجابي وإبراز نقاط القوة لكي يساعدنا على تغيير نقاط الضعف.
ـ الملاحظ أن أكثر ضحايا العنف الأسري من الأطفال والنساء .. في تقديرك ما أسباب ذلك؟ وهل لثقافة المجتمع دور في هذا الأمر؟
لأنهم الفئات الأضعف ورسولنا الكريم قال «اتقوا الله في الضعيفين المرأة و اليتيم»، وتعرضهما للعنف أمر شائع في مختلف المجتمعات، ولا يرتبط بمجتمع من دون آخر، وما يسرب من أرقام وإحصاءات من قبل بعض المؤسسات العالمية عن مستوى العنف في مجتمعاتنا وحقوق المرأة والإنسان غير دقيق، ولا يعبر عن الواقع الفعلي فضلا عن كونه محاولة لوصمنا بالتخلف والرجعية.
ـ ما أبرز عوامل تحقيق الاستقرار والترابط الأسري؟
نحن في حاجة لأن نعتني بالأسرة، فالمجتمعات الحديثة كلها تعاني من تزعزع مؤسسة الأسرة مما أدى إلى نشوء مشاكل كثيرة، ولذلك يجب الاهتمام بالأسرة من خلال حوار يجعلها مؤسسة مستقرة تثق في نفسها وتقدس قيمتها، فمثلا المرأة التي تربي أولادها يصورها الإعلام على أنها عاطلة من دون اعتبار لأهمية دورها الأسري وتربيتها لأبنائها، وهذه ثقافة روجها الحس الرأسمالي، فالإنسان الذي لا يأخذ مقابل نظير دوره في المجتمع هو عاطل .
وفي إحدى الدول الأوروبية انطلقت مظاهرة من الأمهات طالبن خلالها براتب نظير قيامهن بتربية الأبناء، وهذه استجابة للحس المادي الموجود وللأسف هناك من يروج له الآن، وأنا لست ضد عمل المرأة، لكن ضد أن تعتبر المرأة غير العاملة عاطلة.
ولذلك أطالب بإنشاء هيئات في مجتمعاتنا تهتم بالأسرة كمؤسسة، لأن الرهان في أي حركة تنموية مستقبلية في مجتمعاتنا يجب أن ينبثق من وجود أسرة جيدة ومتماسكة واعية تستطيع تربية أبنائها بشكل سليم، من دون أن تغرقهم في الترف أو تهملهم أو تُوكل تربيتهم لآخرين.
كما يجب عدم التوقف عند محاسبة ومعاقبة مرتكبي جرائم العنف الأسري، بينما الصحيح مساعدتهم وتقديم المساندة النفسية لهم بما يقنعهم بكف أذاهم عن الآخرين، ونحن هنا لا ننكر أن الجوانب الأمنية والقانونية يجب أن تأخذ حقها، لكن لا يكون التركيز عليها فقط، ويجب أن يتم ذلك ضمن منظومة متكاملة، على أن يكون ذلك في المراحل النهائية، أما المراحل الأولية فيجب أن تبدأ بتثقيف المجتمع نفسياً، وأن تحتوي مناهجنا التعليمية على مهارات نفسية وتربوية، وأن نتجه نحو تعزيز خدمات الصحة والاستشارات النفسية، وتطوير دور الإعلام العربي للقيام بدور ايجابي في إحداث تفاعل بين أفراد الأسرة، وأن يتوقف عن بث مشاهد وأفلام العنف التي وصلت إلى أفلام الكارتون، وهناك دراسات حديثة تؤكد أن الطفل يرى ما بين 40 إلى 50 مشهد عنف يوميا فكيف لا يتعلم سلوكيات العنف؟!
ـ صدى عالمي واسع النطاق أثارته حادثة النمسا الشهيرة التي شهدت اعتداء أب على ابنته بعد إخفائها في قبو داخل منزله طيلة 24عاما. كيف تنظرون لهذه القضية، وهل يعد ذلك مؤشراً على انهيار الحضارة الغربية؟
هذه شخصية سادية مصابة باضطراب شديد، فالأب لا يستطيع أن يفرط في ابنته ويرى أنه يملكها ويسيطر عليها، ولذلك تبنى الاتجاه المشار إليه، فضلا عن غياب الوازع الديني والأخلاقي، وكل ذلك من منتجات الحضارة الحديثة، وهو بالطبع مؤشر على التدني الأخلاقي وليس الانهيار كلية، فالحضارة الغربية قدمت نموذجا على مستوى عالٍ من التقدم والتكنولوجيا والاختراع والتعليم والحقوق المدنية، لكن قدمت نموذجا فاشلا على المستوى الأخلاقي، وتزايد نسب الانتحار والطلاق والتفكك الأسري والعنف والشذوذ والإباحية تؤكد ذلك.
لكن حتى الآن الحضارة الغربية متفوقة في تحويل الإنسان إلى آلة تنتج وتعمل وتسيطر، وأعتقد أن الموازين ستظل لصالحهم خلال الفترة المقبلة، وعلى المدى البعيد ينخر التدني الأخلاقي في سلم الحضارات مما يمهد لانهيارها.
ـ تزايد حالات العنف الأسري في المجتمعات العربية .. في تقديرك ما أبرز أسباب هذا التزايد؟
هناك العديد من الأسباب التي تقف وراء حالات العنف الأسري فذلك يرتبط بعدة محاور أولها، أن هناك تغيرا اجتماعيا على مستوى كل المجتمعات يتمثل في انهيار أو تراجع مفهوم الأسرة ودرجة تماسكها، وهي ظاهرة عالمية ليست في مجتمعاتنا العربية فقط، لأن الحضارة الحديثة تضعف من دور الأسرة، وتقوي دور الفرد وتجعله أنانيا لا يهتم إلا بمتعته الشخصية.
أما المحور الثاني فيتعلق بحجم الضغوط التي يتعرض لها الأفراد خلال حياتهم اليومية، ما رفع من درجة التوتر النفسي في المجتمعات الحديثة والتي بات أفرادها أكثر قسوة على بعضهم البعض وأكثر ميلاً للعنف.
كما يعد أيضا ضعف الدوافع الدينية عاملاً أساسياً يقف وراء تراجع قدرة الإنسان على الاحتساب في علاقاته الأسرية، كأن يتقي الإنسان الله في زوجته وأبنائه وجيرانه، وبالتالي كان هذا التراجع سبباً في وقوع حالات عنف مجتمعي، هذا بالإضافة إلى انعزال الأسر عن بعضها البعض، مقارنة بما كان عليه الحال في الماضي من حالة التقارب والاندماج التي كانت قائمة بين الأسر ما كان يخفف من ضغوط الحياة على أفرادها.
ولا يمكن أيضا تجاهل العمالة المنزلية ودورها السلبي في التأثير على قيم الأسرة وهويتها، وإضعاف الروابط بين أفرادها، وتعزيز احتمالات استغناء الطفل عن أمه واللجوء دوما للخادمة، كما أن الكثير من الخادمات المستقدمات غير مؤهلات، ولا يملكن المهارات والقدرات التربوية اللازمة، ويصب ذلك في مجمله في اتجاه تعزيز مستوى العنف داخل المجتمع.
" للبيوت أسرار" .. كيف يمكن اكتشاف هذه الحالات في مجتمعاتنا، خاصة في ظل الثقافة السائدة التي تؤثر الصمت خشية الفضيحة؟
بالفعل كما تقول فمن الصعب اكتشاف حالات العنف من دون وجود آثار لذلك، لكن هناك بعض الأعراض التي قد تشير لوقوع حالات عنف مثل إصابة الطفل بالخوف أو الخجل الشديدين، انحدار مستواه الأكاديمي والتخلف عن الدراسة، وانحراف سلوكياته، وغير ذلك من الأعراض.
وهنا يجب التأكيد على أمر مهم، وهو أننا عندما نعزز الجانب الأمني في معالجة هذه القضايا فإن الضحية لن يؤثر الصمت، بل في حال تعزيز جانب المساعدة النفسية والتربوية وإشاعة ذلك سيتوجه الأب أو الأم لطلب المساعدة، لأنه في هذه الحالة يدرك أن التعامل معه لن يكون من منطلق أنه متهم، بل يحتاج للدعم والمساعدة، وأذكر حالة قام خلالها الأب بإيذاء الابن حتى وصل ذلك إلى تعرض قدمه للكسر، وندم الأب ندما شديدا على فعلته، وهو في هذه الحالة لا يحتاج لعقاب بقدر ما يحتاج بشكل ملح لدعم نفسي لتقويم سلوكه.
أما الحالات التي لديها اضطرابات نفسية وعصبية، ويرتكبون جرائم تصل إلى القتل والإيذاء الشديد والسادية فهؤلاء يحتاجون إلى العقاب الصحيح.
ـ في رأيك هل تكثيف نشر هذه القضايا في الصحافة ووسائل الإعلام يعزز من الاهتمام بهذه القضية ويساهم في معالجتها وتقليصها؟
لا أعتقد ذلك، ويجب ألا يركز الإعلام عليها، وفي تصوري أن تضخيم هذه القضايا يؤثر على مسارها القانوني والقضائي، كما أن النشر قد يزيد من تفاقم أزمة الضحية نفسيا،
ونشر الصور اختراق للخصوصية، كما أن المجتمع قد يتعامل معه بشكل مختلف جراء الانطباعات التي ترسخت لديه بعد النشر في وسائل الإعلام، مع الأخذ في الاعتبار أن التضخيم الإعلامي لبعض الحالات يُصعب مهمة التعامل معها وحلها، وأرى أن بعض الصحافيين، بحثا عن سبق صحفي ومن دون خبرة وإدراك لحساسية هذه القضايا، يتسرع في النشر وتضخيم الحدث.
ولذلك أدعو إلى معاقبة من يتجرأ على اقتحام خصوصية الناس، فالإنسان له حرمته وهو حي وكذلك وهو ميت، والحل مناقشة القضايا بحس ايجابي من دون تضخيم، وأيضا من دون أن ندس رأسنا في التراب.
ـ تقولون إن الإعلام قد يضخم من الظاهرة .. هل يعني ذلك أنه يلعب دوراً سلبياً؟
أنا أرى أن الإعلام لا يتعامل مع الظاهرة بواقعية، والإعلام العربي في الجملة يصب في اتجاه إشعار المجتمعات العربية بأنها مجتمعات مريضة وسيئة وأنها متخلفة ومصابة بالاضطرابات، هذا دور سيئ بالتأكيد لأنه لا يعالج المشاكل، وإنما يجعلنا نفقد اعتزازنا بالنواحي الايجابية التي تفتقدها الحضارة الغربية الحديثة مما يجعل شعوبنا غير فخورة بنفسها، بينما كل هذه الظواهر عالمية ولا تخص مجتمع بعينه، ويجب على الإعلام لعب دور إيجابي وإبراز نقاط القوة لكي يساعدنا على تغيير نقاط الضعف.
ـ الملاحظ أن أكثر ضحايا العنف الأسري من الأطفال والنساء .. في تقديرك ما أسباب ذلك؟ وهل لثقافة المجتمع دور في هذا الأمر؟
لأنهم الفئات الأضعف ورسولنا الكريم قال «اتقوا الله في الضعيفين المرأة و اليتيم»، وتعرضهما للعنف أمر شائع في مختلف المجتمعات، ولا يرتبط بمجتمع من دون آخر، وما يسرب من أرقام وإحصاءات من قبل بعض المؤسسات العالمية عن مستوى العنف في مجتمعاتنا وحقوق المرأة والإنسان غير دقيق، ولا يعبر عن الواقع الفعلي فضلا عن كونه محاولة لوصمنا بالتخلف والرجعية.
ـ ما أبرز عوامل تحقيق الاستقرار والترابط الأسري؟
نحن في حاجة لأن نعتني بالأسرة، فالمجتمعات الحديثة كلها تعاني من تزعزع مؤسسة الأسرة مما أدى إلى نشوء مشاكل كثيرة، ولذلك يجب الاهتمام بالأسرة من خلال حوار يجعلها مؤسسة مستقرة تثق في نفسها وتقدس قيمتها، فمثلا المرأة التي تربي أولادها يصورها الإعلام على أنها عاطلة من دون اعتبار لأهمية دورها الأسري وتربيتها لأبنائها، وهذه ثقافة روجها الحس الرأسمالي، فالإنسان الذي لا يأخذ مقابل نظير دوره في المجتمع هو عاطل .
وفي إحدى الدول الأوروبية انطلقت مظاهرة من الأمهات طالبن خلالها براتب نظير قيامهن بتربية الأبناء، وهذه استجابة للحس المادي الموجود وللأسف هناك من يروج له الآن، وأنا لست ضد عمل المرأة، لكن ضد أن تعتبر المرأة غير العاملة عاطلة.
ولذلك أطالب بإنشاء هيئات في مجتمعاتنا تهتم بالأسرة كمؤسسة، لأن الرهان في أي حركة تنموية مستقبلية في مجتمعاتنا يجب أن ينبثق من وجود أسرة جيدة ومتماسكة واعية تستطيع تربية أبنائها بشكل سليم، من دون أن تغرقهم في الترف أو تهملهم أو تُوكل تربيتهم لآخرين.
كما يجب عدم التوقف عند محاسبة ومعاقبة مرتكبي جرائم العنف الأسري، بينما الصحيح مساعدتهم وتقديم المساندة النفسية لهم بما يقنعهم بكف أذاهم عن الآخرين، ونحن هنا لا ننكر أن الجوانب الأمنية والقانونية يجب أن تأخذ حقها، لكن لا يكون التركيز عليها فقط، ويجب أن يتم ذلك ضمن منظومة متكاملة، على أن يكون ذلك في المراحل النهائية، أما المراحل الأولية فيجب أن تبدأ بتثقيف المجتمع نفسياً، وأن تحتوي مناهجنا التعليمية على مهارات نفسية وتربوية، وأن نتجه نحو تعزيز خدمات الصحة والاستشارات النفسية، وتطوير دور الإعلام العربي للقيام بدور ايجابي في إحداث تفاعل بين أفراد الأسرة، وأن يتوقف عن بث مشاهد وأفلام العنف التي وصلت إلى أفلام الكارتون، وهناك دراسات حديثة تؤكد أن الطفل يرى ما بين 40 إلى 50 مشهد عنف يوميا فكيف لا يتعلم سلوكيات العنف؟!
ـ صدى عالمي واسع النطاق أثارته حادثة النمسا الشهيرة التي شهدت اعتداء أب على ابنته بعد إخفائها في قبو داخل منزله طيلة 24عاما. كيف تنظرون لهذه القضية، وهل يعد ذلك مؤشراً على انهيار الحضارة الغربية؟
هذه شخصية سادية مصابة باضطراب شديد، فالأب لا يستطيع أن يفرط في ابنته ويرى أنه يملكها ويسيطر عليها، ولذلك تبنى الاتجاه المشار إليه، فضلا عن غياب الوازع الديني والأخلاقي، وكل ذلك من منتجات الحضارة الحديثة، وهو بالطبع مؤشر على التدني الأخلاقي وليس الانهيار كلية، فالحضارة الغربية قدمت نموذجا على مستوى عالٍ من التقدم والتكنولوجيا والاختراع والتعليم والحقوق المدنية، لكن قدمت نموذجا فاشلا على المستوى الأخلاقي، وتزايد نسب الانتحار والطلاق والتفكك الأسري والعنف والشذوذ والإباحية تؤكد ذلك.
لكن حتى الآن الحضارة الغربية متفوقة في تحويل الإنسان إلى آلة تنتج وتعمل وتسيطر، وأعتقد أن الموازين ستظل لصالحهم خلال الفترة المقبلة، وعلى المدى البعيد ينخر التدني الأخلاقي في سلم الحضارات مما يمهد لانهيارها.