[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


تتالت التصريحات في الآونة الأخيرة حول "كارثية" الوضع الإقتصادي وآخرها ما جاء على لسان وزير المالية السابق حسين الديماسي الذي وصف الوضع "بالنفق المظلم". وتزامن ذلك مع ما راج حول محدودية موارد خزينة الدولة

والمخاوف بشأن عدم قدرة الدولة على تغطية أجور الموظفين، وحتى تكذيب الخبر لم يقدم التطمينات اللازمة لأنه فتح النقاش حول مسألة أخرى لا تقل خطورة وتتعلق بالإعتماد على القروض والموارد غير القارة لتغطية نفقات قارة كالأجور.

ويتساءل البعض في هذا السياق، إلى متى يمكن أن نعتمد على التداين والموارد الظرفية في مجابهة حاجيات ومصاريف الدولة. بمعنى أبسط، "إلى متى ستعيش الدولة من السلفة" على حد تعبير البعض.

وفي حقيقة الأمر فإن الحديث عن تأزم الوضع الإقتصادي ليس بجديد فهو يمتد على كامل فترة ما بعد الثورة وفي كل مرة يتحدث المختصون في الشأن الإقتصادي عن تحديات ومخاطر تتربص بالإقتصادي الوطني في هذه الفترة الانتقالية التي طالت دون أن ترافقها آفاق سياسية واضحة المعالم ومحددة الآجال.

مخاوف وتحديات

في كل مرة تطرح فيها هذه المخاوف بشأن حقيقة الوضع الإقتصادي تتهم المعارضة بالمبالغة واعتماد الفزاعات لخدمة أهداف حزبية ضيقة لتشويه صورة من في الحكم وارباكهم، وفي المقابل تتهم الحكومة بتنسيب المشاكل والتحديات وقلة الخبرة وعدم القدرة على تقييم جسامة الأخطار المحدقة لأن هدفها البقاء في الحكم كلف ذلك ما كلف.

لكن الملاحظ في الآونة الأخيرة أن نسق التحذيرات بشأن خطورة الوضع الإقتصادي بدأ يأخذ منعرجا خطيرا فيه تأكيد على محدودية الهامش الذي مازال متاحا لتفادي منزلاقات قد لا تحمد عقباها.

ويبين بهذا الصدد الخبير الإقتصادي معز الجودي أنه زيادة على ضرب وتقويض أسس الإقتصادي التونسي من خلال تفاقم العجز التجاري في حدود 7 بالمائة والزيادة المستمرة في نسب التضخم لتفوق 5 .5 بالمائة، وتدنى مخزون العملة الصعبة إلى أقل من 100 يوم ، فإن بروز مؤشر جديد وهو مجابهة النفقات العمومية وأساسا الرواتب عبر اللجوء إلى الإقتراض، يؤكد الدخول في منطقة الخطر.

ويعتبر محدثنا أن نسق التداين شهد في الفترة الأخيرة ارتفاعا كبيرا وحدد في ميزانية 2013 بحوالي 6,9 مليار دينار كإقتراض خارجي.

ولأول مرة لا توجه هذه المبالغ المتأتية من الإقتراض إلى الإستثمار بل تستغل في تغطية النقص المسجل في تغطية النفقات العمومية..وهذا الخطر بعينه. على حد تعبير معز الجودي.

حلول ترقيعية

بدوره يؤكد اسكندر الرقيق أستاذ التعليم العالي ومستشار سابق لدى الهيئة العليا للاستمثار الكويتي خطورة عجز الدولة عن دفع الرواتب والتعويل على التداين، مشيرا إلى أن الحكومة أضطرت لغلق الميزانية الحالية إلى طلب قرض من البنك الإفريقي للتنمية بقيمة 500 مليون دينار.

وأشار إلى أن الدخول في دوامة الحلول الترقيعية لمجابهة نفقات الدولة لا يمكن أن ينذر إلا بمخاطر محدقة ستزيد من الإحساس بوطأة الأزمة لدى المواطن التونسي الذي يعاني أصلا من تداعيات التضخم وغلاء المعيشة وتوقف عجلة التنمية والإستثمار.

وما يزيد من قتامة المشهد الإقتصادي ومن المخاوف من الظروف الصعبة التي سيعيشها التونسيون خلال هذه السنة وحتى السنة المقبلة مع قرب موعد الشروع في سداد قروض قديمة للدولة التونسية، هو الوضع المتردي لعديد القطاعات الحيوية في الإقتصاد التونسي على غرار القطاع الفلاحي في ظل ما تنذر به الظروف المناخية وانحباس الأمطار من انعكاسات سلبية على الصابة ومردود القطاع خلال هذا الموسم .

من جهته لم ينجح القطاع السياحي في التعافي خلال الموسم الفارط. ووفق المؤشرات الأولية حول الموسم الحالي لا تبدو الأمور على أحسن حال لا سيما في ظل تواصل تراجع أهم مؤشرات الأسواق السياحية الأوربية بسبب تردي صورة الوجهة التونسية بعد العددي من الأحداث الأمنية والسياسية المسجلة وأيضا بسبب تفاقم الأزمة الإقتصادية لمنطقة اليورو.

تجدر الإشارة إلى أن الأزمة الإقتصادية في أوروبا تلقي بظلالها على الإقتصاد الوطني لا على المستوى السياحي فحسب بل على أكثر من صعيد باعتبار أوروبا الشريك الأول لتونس. وسيتواصل التأثير السلبي للأزمة في أوروبا خلال السنة الجارية وربما السنة المقبلة.

من جهة أخرى يعاني الإقتصاد التونسي اليوم من تراجع مداخيل الدولة من قطاعات النفط والفسفاط والصناعات التحويلية وأيضا من المداخيل الجبائية وغيرها.

وبالتأكيد فإن تواصل التجاذبات السياسية وعدم الحسم في المواعيد الانتخابية يؤثر سلبا على الاستثمار الداخلي والخارجي وعلى التنمية وأيضا على الاستقرار الإجتماعي وعلى مناخ الأعمال والأستثمار كما هو الحال اليوم في عديد المناطق الداخلية التي تعيش على وقع الاحتجاجات وأيام الغضب والإضرابات العامة في بنقردان وتالة والقصرين ..

وتؤكد هذه العوامل مجتمعة على تقلص هامش فرص التجاوز وانقاذ الإقتصاد والبلاد وتجنيبها الأسوأ. وهي حقيقة باتت شبه أكيدة لدى الجميع وتتطلب التوقف عن منطق التجاذب ومنطق المحاصصة الحزبية والإسراع في التحوير الوزاري مرفوقا بخطة عاجلة للإنقاذ الإقتصادي.

حتى لا يكون الهدف تغيير أسماء بأسماء دون جدوى على أرض الواقع تحتاجها تونس اليوم أكثر من أي وقت مضى.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]